يقبض الأنفس حين انقضاء آجالها بالموت، ويقطع تعلّقها بالأجساد تعلق المتصرّف فيه، {وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا}؛ أي: ويتوفى الأنفس التي لم يحضر أجلها، فيقبضها من التصرّف في الأجساد مع بقاء الأرواح متصلة بها. {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} فلا يردّها إلى الأجساد، {وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}؛ أي: ويرسل النائمة إلى الأجساد حين اليقظة إلى أجل مسمى، وهو وقت الموت.
روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال:"إنّ في ابن آدم نفسًا وروحًا، بينهما مثل شعاع الشمس، فالنفس التي هي بها العقل والتمييز، والروح هي التي بها النفَس - بفتح الفاء والتحرُّك - فيتوفيان عند الموت، وتتوفى النفس وحدها حين النوم.
وأخرج أحمد والبخاريّ وأبو داود وابن أبي شيبة عن أبي قتادة: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم ليلة الوادي: "إن الله تعالى قبض أرواحكم حين شاء، وردّها عليكم حين شاء".
{إِنَّ فِي ذَلِكَ} المذكور من توفي الأنفس مائتة ونائمة، وإمساكها وإرسالها إلى أجل مسمّى. {لَآيَاتٍ} عجيبة، دالّة على كمال قدرته تعالى، وحكمته وشمول رحمته {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} في كيفية تعلق الأرواح بالأبدان، وتوفيها (١) عنها تارةً بالكلية، كما عند الموت وإمساكها باقية بعد الموت لا تفنى بفناء الأبدان، وأخرى عن ظواهرها فقط، كما عند النوم، وإرسالها حينًا بعد حين إلى انقضاء آجالها، وانقطاع أنفاسها؛ أي: لآيات عظيمة دالة على قدرته لقوم يُجيلون فيه أفكارهم فيعتبرون.
٤٣ - ثمّ أنكر سبحانه على المشركين اتخاذ الأصنام شفعاء، فقال:{أَمِ اتَّخَذُوا} فـ {أَمِ} منقطعة تقدر ببل الإضرابية، وهمزة الاستفهام الإنكاري؛ أي: أبل اتخذ هؤلاء المشركون من أهل مكة {مِنْ دُونِ اللَّهِ} سبحانه؛ أي: من دون إذنه تعالى {شُفَعَاءَ} تشفع لهم عنده تعالى في جلب منفعة أو دفع مضرّة، هي الأصنام، جمع شفيع، وهو من يطلب الخير من الغير للغير.