للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد يكون المعني: وكان الكافر على ربه هينًا ذليلًا، لا قدر له ولا وزن له عنده، كما مر عن أبي عبيدة من قول العرب: ظهرت به؛ أي: جعلته خلف ظهرك، ولم تلتفت إليه، ومنه قوله تعالى: {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} وقول الفرزدق:

تَمِيْمَ ابْنَ قَيْسٍ لاَ تَكُونَنَّ حَاجَتِيْ ... بِظَهْرٍ فَلاَ يَعْيَا عَلَيَّ جَوَابُهَا

قال ابن عباس: نزلت الآية في أبي الحكم بن هشام الذي سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا جهل بن هشام.

٥٦ - ثم بين عظم حمقهم ونفورهم ممن جاء لجلب الخير لهم، ودفع الأذى عنهم فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ} يا محمد في حال من الأحوال {إِلَّا} حال كونك {مُبَشِّرًا} للمؤمنين بالجنة والرحمة. والتبشير: إخبار فيه سرور {وَنَذِيرًا} أي: منذرًا ومخوفًا للكافرين بالنار والغضب. والإنذار: إخبار فيه تخويف.

والمعنى: أي كيف تطلبون العون على الله ورسوله، والله قد أرسل رسوله لنفعكم؛ إذ قد بعثه ليبشركم على فعل الطاعات، وينذركم على فعل المعاصي، فتستحقوا الثواب، وتبتعدوا عن العقاب.

وخلاصة ذلك: لا جهل أعظم من جهل من استفرغ جهده في إيذاء من يرجو نفعه في دينه ودنياه، وفي هذا تسلية لرسوله حتى لا يحزن على عدم إيمانهم.

٥٧ - ثم أمر رسوله أن يبين لهم أنه مع كونه يريد نفعهم لا يبغي لنفسه نفعًا، فقال: {قُلْ} لهم يا محمد {مَا أَسْأَلُكُمْ} أيها المشركون {عَلَيْهِ}؛ أي: على تبليغ الرسالة التي ينبىء عنها الإرسال، أو على التبشير والإنذار، أو على القرآن، أقوال {مِنْ أَجْرٍ} وجعل من جهتكم، فتقولوا: إنما يطلب محمد أموالنا بما يدعونا إليه، فلا نتبعه، والأجر ما يعود من ثواب العمل دنيويًا كان أو أخرويًا {إِلَّا مَنْ شَاءَ}؛ أي: إلا فعل من يريد {أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا}؛ أي: أن يجعل لنفسه سبيلًا موصلًا إلى ربه؛ أي: يريد أن يتقرب إلى ربه ويطلب الزلفى عنده