للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المشركين، ولعنهم مما لم يكن ينبغي منك. إذ الأمر كله لله، وليس لأحد من أهل السموات والأرض شركة معه، ولا رأيٌ ولا تدبير فيهما، وإن كان ملكًا مقربًا أو نبيًّا مرسلًا إلا من سخره الله للقيام بشيء من ذلك؛ فيكون خاضعًا لذلك التسخير لا يستطيع الخروج فيه عن السنن العامة التي قام بها نظام الكون، ونظام الاجتماع.

١٢٩ - {وَلِلَّهِ} سبحانه وتعالى لا لغيره {مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}، أي: جميع ما في السموات، وما في الأرض ملكًا وخلقًا وعبيدًا {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} مغفرته بفضله ورحمته {وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} تعذيبه بعدله وتقديم المغفرة على التعذيب للإعلام بأنَّ رحمته تعالى سبقت غضبه {وَاللَّهُ غَفُورٌ} لمن تاب {رَحِيمٌ} لمن مات على التوبة.

قال ابن جرير (١): أي لله جميع ما بين أقطار السموات والأرض من مشرق الشمس إلى مغربها، دونك ودونهم، يحكم فيهم بما شاء، ويقضي فيهم بما أحب فيتوب على من شاء من خلقه العاصين أمره ونهيه ثم يغفر له ويعاقب من شاء منهم على جرمه، فينتقم منه، فهو الغفور يستر ذنوب من أحب أن يستر عليه ذنوبه، من خلقه بفضله عليهم بالعفو والصفح، وهو الرحيم بهم في تركه عقوبتهم عاجلًا على عظيم ما يأتون من المآثم انتهى.

١٣٠ - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه لما (٢) نهى الله تعالى المؤمنين عن اتخاذ البطانة من اليهود، وأمثالهم من المشركين، ثم بين لهم أن كيدهم لا يضرهم ما اعتصموا بتقوى الله، وطاعته وطاعة رسوله، ثم ذكرهم بما يدل على صدق ذلك بما حدث لهم حين صدقوا الله ورسوله من الفوز والفلاح في وقعة بدر، وبما حدث لهم حين عصوا الله، وخالفوا أمر القائد، وهو الرسول - صلى الله عليه وسلم - في وقعة أحد، وكيف حل بهم من البلاء ونزلت من المصائب مما لم يكونوا ينتظرون القليل منها .. نهاهم هنا عن شر


(١) الخازن
(٢) الطبري.