للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عمل من أعمال اليهود، ومن اقتدى بهم من المشركين، وهو الربا مع بيان أن الربح المتوقع منه ليس هو السبب في السعادة، بل السعادة، إنما تكون في تقوى الله، وامتثال أوامره، وفي ذلك حث على بذل المال في سبيل الله كالدفاع عن الملة، وتنفير من البخل، والشح، والكلب على جمع المال بكل وسيلة مستطاعة، وشر تلك الوسائل أكل الربا أضعافًا مضاعفة.

والمعنى: يا أيها الذين آمنوا وصدقوا بما جاء به محمَّد - صلى الله عليه وسلم - لا تأخذوا الزيادة على رؤوس أموالكم، وذكر الأكل ليس قيدًا بل إنما ذكره لكونه معظم منافعه حالة كون تلك الزيادة أضعافًا مضاعفة، أي؛ زيادات مكررة عامًا بعد عام بسبب تأخير أجل الدين الذي هو رأس المال، وزيادة المال إلى ضعف ما كان كما كنتم تفعلون في الجاهلية، فإن الإِسلام لا يبيح لكم ذلك لما فيه من القسوة واستغلال ضرورة المعوز وحاجته.

وذكر الأضعاف (١) ليس لتقييد النهي لما هو معلوم من تحريم الربا على كل حال، ولكنه جيء به باعتبار ما كانوا عليه من العادة التي يعتادونها في الربا، فإنهم كانوا يربون إلى أجل، فإذا حل الأجل .. زادوا في المال مقدارًا يتراضون عليه، ثم يزيدون في أجل الدين، فكانوا يفعلون ذلك مرةً بعد مرةٍ، حتى يأخذ المرابي أضعاف دينه الذي كان له في الابتداء.

قال ابن جرير (٢) معنى الآية: لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة في إسلامكم بعد إذ هداكم الله كما كنتم تأكلونه في جاهليتكم، وكان أكلهم ذلك في جاهليتهم: أن الرجل منهم يكون له على الرجل مالٌ إلى أجل، فإذا حل الأجل طلبه من صاحبه فيقول له، الذي عليه المال: أخر دينك عني وأزيدك على مالك فيفعلان ذلك، فذلك هو الربا أضعافًا مضاعفة، فنهاهم الله عَزَّ وَجَلَّ في إسلامهم عنه انتهى.


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.