للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لأن الشيطان {لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}؛ أي: عدو ظاهر العداوة لكم، يريد أن يصدكم عما جبلتم عليه من الفطرة، وكلفتم به من الخدمة. ووجه عداوة إبليس لبني آدم: أنه تعالى، لما أكرم آدم عليه السلام .. عاداه إبليس حسدًا. والعاقل لا يقبل من عدوه، وإن كان ما يلقيه إليه خيرًا إذ لا أمن من مكره. فإن ضربة الناصح، خير من تحية العدو.

قال بعضهم (١): اعلم أن عداوة إبليس لبني آدم، أشد من معاداته لأبيهم آدم عليه السلام. وذلك أن بني آدم، خلقوا من ماء والماء منافر للنار، وأما آدم فجمع بينه وبين إبليس اليبس الذي في التراب، فبين التراب والنار جامع، ولهذا صدّقه، لما أقسم له بالله أنه لناصح، وما صدقه الأبناء، لكونه لهم ضدا من جميع الوجوه. فبهذا كانت عداوة الأبناء، أشد من عداوة الأب. ولما كان العدو محجوبا عن إدراك الأبصار، جعل الله لنا علامات في القلب، من طريق الشرع، نعرفه بها، تقوم لنا مقام البصر، فنتحفظ بتلك العلامة من إلقائه ووسوسته، وإعانة الله لنا عليه بكلمة الاستعاذة.

وفي «التأويلات النجمية»: في الآية (٢) إشارة إلى كمال رأفته تعالى، وغاية مكرمته في حق بني آدم. إذ يعاتبهم معاتبة الحبيب للحبيب، ومناصحة الصديق للصديق، وأنه تعالى يكرمهم ويجلهم عن أن يعبدوا الشيطان لكمال رتبتهم، واختصاص قربتهم بالحضرة، وغاية ذلة الشيطان، وطرده ولعنه من الحضرة. وسماه عدوًا لهم وله، وسمى بني آدم الأولياء والأحباب. وخاطب المجرمين منهم كالمعتذر الناصح لهم بقوله: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ} ألم أنصح لكم، ألم أخبركم عن خيانة الشيطان وعداوته لكم، وأنكم أعز من أن تعبدوا مثله ملعونًا مهينًا.

٦١ - {وَأَنِ اعْبُدُونِي} وحدي، وأطيعوني فيما أمرتكم به، وانتهوا عما نهيتكم عنه؛ لأن مثلكم يستحق لعبادة مثلي، فإني أنا العزيز الغفور، وإني خلقتكم


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.