للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بين الأمر بالامتياز، وبين الأمر بدخول جهنم بقوله تعالى: {اصْلَوْهَا الْيَوْمَ} الخ. والعهد: الوصية، والتقديم بأمر فيه خير ومنفعة. والمراد هاهنا: ما كلفهم الله تعالى به، على ألسنة الرسل، من الأوامر والنواهي، التي من جملتها، قوله تعالى: {يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ}، وقوله تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}، وغيرها من الآيات الكريمة، الواردة في هذا المعنى. والمراد ببني آدم: المجرمون. وقيل: المراد بالعهد: الميثاق المأخوذ عليهم، حين أخرجوا من ظهر أخرجوا من ظهر آدم عليه السلام.

و {أَنْ} في قوله: {أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ} إما مفسرة للعهد (١)، الذي فيه معنى القول بالأمر والنهي، أو مصدرية حذف منها الجار؛ أي: ألم أعهد إليكم في ترك عبادة الشيطان. والمراد بعبادة الشيطان. عبادة غير الله؛ لأن الشيطان لا يعبده أحد، ولم يرد عن أحد أنه عبد الشيطان، إلا أنه عبر عن عبادة غير الله بعبادة الشيطان، لوقوعها بأمر الشيطان، وتزيينه، والانقياد فيما سوله، ودعا إليه بوسوسته. فسمي إطاعة الشيطان، والانقياد له عبادة له، تشبيهًا لها بالعبادة، من حيث إن كل واحد منهما ينبىء عن التعظيم والإجلال، ولزيادة التحذير والتنفير عنها، ولوقوعها في مقابلة عبادته تعالى، قال ابن عباس: من أطاع شيئًا فقد عبده. دل عليه قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ}.

وقرأ الجمهور (٢): {أَعْهَدْ} بفتح الهمزة والهاء. وقرأ طلحة، والهذيل بن شرحبيل الكوفي بكسر الهمزة، قاله «صاحب اللوامح»، وقال: لغة تميم، وهذا الكسر في النون والتاء أكثر من بين حروف المضارعة، يعني: نعهد وتعهد. وقال ابن عطية: وقرأ الهذيل بن وثاب {أَلَمْ أَعْهَدْ} بكسر الميم والهمزة، وفتح الهاء. وهي على لغة من كسر أول المضارع، سوى الياء. وروي عن ابن وثاب {أَلَمْ أَعْهَدْ} بكسر الهاء، يقال: عهد يعهد، انتهى.

ثم علل النهي عن عبادة الشيطان، وقبول وسوسته بقوله: {أَنَّهُ}؛ أي:


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.