{إِنَّ رَبَّكَ} يا محمد سبحانه وتعالى {يَقْضِي} ويحكم {بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}؛ أي: بين بني إسرائيل المختلفين، أو بين سائر الناس على العموم {فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من أمر الدين فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، والمحق بعمله بالحق، والمبطل بعمله بالباطل؛ أي: إن هذا النوع من الاختلاف لا سبيل لإزالته في دار الدنيا، بل سيقضي الله بينهم في الآخرة، فيميز المحقين من المبطلين، ويدخل الأولين الجنة والآخرين النار، وبئس القرار
٩٤ - {فَإِن كنُتَ} يا محمَّد {فِي شَكٍّ} وارتياب {مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ}؛ أي: في حقيقة ما أنزلنا إليك، والشك في موضوع اللغة خلاف اليقين، والشك اعتدال النقيضين عند الإنسان لوجود أمارتين، أو لعدم الأمارة، والشك ضرب من الجهل، وهو أخص منه، فكل شك جهل، وليس كل جهل شكا. فإذا قيل: فلان شك في هذا الأمر، فمعناه: توقف فيه حتى يتبين له فيه الصواب أو خلافه. وظاهر هذا الخطاب في قوله:{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} أنه للنبي، - صلى الله عليه وسلم -، والمعنى: فإن كنت يا محمَّد، في شك مما أنزلنا إليك يعني من حقيقة ما أخبرناك به، وأنزلناه يعني القرآن، أو المعنى: فإن كنت أيها الرسول في شك مما قلناه في تلك الشواهد، من قصة هود ونوح وموسى وغيرهم فرضًا وتقديرًا {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ}؛ أي: الذين يقرؤون كتب الأنبياء من قبلك، كاليهود والنصارى، يخبروك أنك مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل، وأنك نبي يعرفونك بصفتك عندهم، أو يعلمون أن ما أنزلناه إليك من القصص حق، لا يستطيعون إنكاره. وقرأ يحيى وإبراهيم:{يقرؤون الكتب} على الجمع. وقد توجه (١) ههنا سؤال واعتراض، وهو أن يقال: هل شك النبي، - صلى الله عليه وسلم -، فيما أنزل عليه، أو في نبوته حتى يسأل أهل الكتاب عن ذلك؟ وإذا كان شاكًّا في نبوة نفسه كان غيره أولى بالشك منه. قلت: الجواب عن هذا السؤال، والاعتراض، ما قاله القاضي عياض: في كتابه "الشفاء" فإنه أورد هذا السؤال، ثم قال: احذر ثبت الله قلبك، أن يخطر ببالك ما ذكره فيه بعض المفسرين، عن ابن عباس أو غيره من إثبات شك النبي، - صلى الله عليه وسلم -،