للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأوثان والأصنام. ولقد تراهم إذا جاء البرهان الساطع أعرضوا عنه وقالوا: إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون.

٦٤ - ثم رجع سبحانه إلى وصف الكفار، فقال: {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ} وهذه الجملة غاية لأعمالهم المذكورة، ومقررة لما قبلها. وحتى هذه ابتدائية، وهي يبتدأ بعدها الكلام. والكلام هو الجملة الشرطية المذكورة بعدها؛ أي (١): لا يزالون يعملون أعمالهم الخبيثة إلى حيث إذا أخذنا متنعميهم ورؤساءهم {بِالْعَذَابِ} الأخروي إذ هو الذي يفاجؤون عنده الخوار فيجابون بالرد والإقناط، وأما عذاب يوم بدر فلم يوجد لهم عنده جؤار. والمراد (٢) بالمترفين المتنعمين منهم. وهم الذين أمدهم الله تعالى بما تقدم ذكره من المال والبنين. أو المراد بهم الرؤساء منهم. وقيل: المراد بالعذاب، هو عذابهم بالسيف يوم بدر، أو بالجوع بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم، حيث قال: "اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف". والأول أظهر؛ لأن الجؤار إنما يقع عند عذاب الآخرة.

وجملة قوله: {إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ} جواب الشرط، وإذا هي الفجائية، والضمير راجع إلى المترفين؛ أي: إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب فاجؤوا الصراخ بالاستغاثة؛ أي: يرفعون أصواتهم بها، ويتضرعون في طلب النجاة، فإن أصل الجؤار رفع الصوت بالتضرع والدعاء. يقال: جار الرجل إذا تضرع بالدعاء.

وتخصيص (٣) المترفين بأخذ العذاب، ومفاجاة الجؤار مع عمومه لغيرهم أيضًا لغاية ظهور انعكاس حالهم، وأيضًا إذا كان لقاؤهم هذه الحالة الفظيعة ثابتًا واقعًا، فما ظنك بحال الأصاغر والخدم.

وقال بعضهم: المراد بالمترفين المعذبين، أبو جهل وأصحابه، الذين قتلوا ببدر، والذين هم يجأرون أهل مكة، فيكون الضمير راجعًا إلى ما رجع إليه ضمير


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.