للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولكون ذلك في معنى العلة عطف عليه قوله: {وَلِتُكْمِلُوا} بالتخفيف والتشديد {الْعِدَّةَ}؛ أي: عدة صوم رمضان، والتقدير: وإنما (١) أرخص لكم في الإفطار للمرض والسفر ونحوهما من الأعذار؛ لإرادته بكم اليسر، وإنما أمركم بالقضاء لتكملوا عدة شهركم بتدارك ما فات منها بالقضاء {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ}؛ أي: ولتذكروا الله بالتكبير وغيره عند انقضاء عبادتكم شكرًا {عَلَى مَا هَدَاكُمْ}؛ أي: على هدايته إياكم إلى معالم دينكم وإرشاده إياكم إلى هذه العبادة.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: حقٌّ على المسلمين إذا رأوا هلال شوال أن يكبروا، وقال الشافعي: وأحب إظهار التكبير في العيدين، وبه قال مالك، وأحمد، وإسحاق، وأبو يوسف، ومحمد. {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الله على رخصه بالمحافظة على ما أمركم الله به من أداء فرائضه، وترك محارمه، وحفظ حدوده.

وإنما ختمت هذه الآية (٢) بترجي الشكر؛ لأن قبلها تيسيرًا وترخيصًا، فناسب ختمها بذلك، وختمت الآيتان قبلها بترجي التقوى، وهما قوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} وقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}؛ لأن القصاص والصوم من أشق التكاليف، فناسب ختمها بذلك، وهذا مطرد في القرآن، فحيث ورد ترخيص عقب بترجي الشكر غالبًا، وحيث جاء عدم ترخيص عقب بترجي التقوى وشبهها، وهذا من محاسن علم البيان.

١٨٦ - ولما سأل الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ نزل قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ} يا محمد {عِبَادِي عَنِّي}؛ أي: عن قربي أو بعدي {فَإِنِّي قَرِيبٌ}؛ أي: فقل لهم يا محمد: أني قريب منهم، بالعلم والإجابة والإنعام، والقرب هنا عبارة عن سماعه لدعائهم، وقال في "الكشاف": إنه تمثيل لحاله في سهولة إجابته لمن دعاه، وسرعة إنجاحه حاجة من سأله بمن قرب مكانه، فإذا دعي أسرعت تلبيته. {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ}؛ أي: أسمع وأقبل دعاء عبدي الداعي


(١) ابن كثير.
(٢) جمل.