للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

"كشف الأسرار" سمي جبريل روحًا؛ لأن جسمه روح لطيف روحاني. وكذا الملائكة روحانيون خلقوا من الروح؛ وهو الهواء.

قال بعضهم (١): لا شك أن للملائكة أجسامًا لطيفة، وللطافة نشأتهم غلب عليهم حكم الروح، فسموا أرواحًا. ولجبريل مزيد اختصاص بهذا المعنى؛ إذ هو من سائر الملائكة كالرسول عليه السلام من أفراد أمته.

واعلم: أن القرآن كلام الله وصفته القائمة به، فكساه الألفاظ بالحروف العربية، ونزله على جبريل، وجعله أمينًا عليه؛ لئلا يتصرف في حقائقه،

١٩٤ - ثم نزل به جبريل كما هو على قلب محمد - صلى الله عليه وسلم -، كما قال سبحانه: {عَلَى قَلْبِكَ}؛ أي (٢): نزل به الروح الأمين، وتلاه على قلبك يا محمد حتى وعيته بقلبك، فخص القلب بالذكر؛ لأنه محل الوعي والحفظ والتثبيت، ومعدن الوحي والإلهام، وليس شيء في وجود الإنسان يليق بالخطاب والفيض غيره، وهو - صلى الله عليه وسلم - مختص بهذه الرتبة العلية، والكرامة السنية من بين سائر الأنبياء، فإن كتبهم منزلة في الألواح والصحائف جملة واحدة على صورتهم، لا على قلوبهم، كما في "التأويلات النجمية".

قال في "كشف الأسرار": الوحي إذا نزل بالمصطفى - صلى الله عليه وسلم - نزل بقلبه أولًا، كما هو ظاهر الآية؛ لشدة تعطشه إلى الوحي، ولاستغراقه به، ثم انصرف من قلبه إلى فهمه وسمعه، وهذا تنزل من العلو إلى السفل، وهو رتبة الخواص، فأما العوام فإنهم يسمعون أولًا فيتنزل الوحي على سمعهم أولًا، ثم على فهمهم، ثم على قلبهم، وهذا ترق من السفل إلى العلو، فشتان ما بينهما.

وفي "الفتاوى الزينية": سئل عن الوحي الأمين جبريل عليه السلام كم نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ أجاب نزل عليه أربعة وعشرين ألف مرة، وعلى سائر الأنبياء لم ينزل أكثر من ثلاثة آلاف مرة. انتهى.

قلتُ: وهذا مما لا نقل فيه ويجب الوقف عنه.


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.