وأخرج ابن المنذر عن الربيع بن أنس قال: لما نزلت آية: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} ... قالوا: يا رسول الله، هذا الكرسي هكذا، فكيف العرش، فأنزل الله:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ} الآية. قال الحافظ السيوطي في "الإتقان" ج ١ ص ٣٤: الحديث في "الصحيح" بلفظ: فتلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أصوب، فإنَّ الآية مكية.
وأقول: لفظ تلا، الواقع في "الصحيح": لا ينافي أنها نزلت، ثم تلاها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأما كونها مكيةً، فإن ثبت نزولها؛ أعني هذه الآية بمكة .. فلا مانع من نزولها مرتين، وإن لم يثبت نزولها بمكة بالسند الصحيح .. فقد تكون السورة مكية، إلا آية. والله أعلم.
التفسير وأوجه القراءة
٥٣ - ولما ذكر سبحانه ما ذكره من الوعيد .. عقّبة بذكر سعة رحمته، وعظيم مغفرته، وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يبشرهم بذلك، فقال:{قُلْ} يا محمد، تبشيرًا لعبادي بسعة رحمتي:{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} وأفرطوا وجاوزوا الحد في الجناية. {عَلَى أَنْفُسِهِمْ} بالانهماك في المعاصي، وارتكاب الكبائر والفواحش:{لَا تَقْنَطُوا} ولا تيأسوا {مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} سبحانه ومغفرته، فهو يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب إليه، ولجأ إلى جنابه، وإن كثرت ذنوبه، وكانت كزبد البحر.
وقرأ الجمهور:{يَا عِبَادِيَ} بإثبات الياء وصلًا ووقفًا. وروى أبو بكر عن عاصم: أنه يقف بغير ياء، وقرأ الجمهور:{تَقْنَطُوا} بفتح النون، وقرأ أبو عمرو والكسائي: بكسرها، وتعدية (١) الإسراف بـ {عَلَى}؛ لتضمين معنى الجناية، قال البيضاوي ومن وافقه: إضافة العبادة تخصّصه بالمؤمن على ما هو عرف القرآن، يقول الفقير: قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} ينادى على خلافه؛ لأن العباد فسر هناك ببختنصر وقومه، وكانوا كفارًا بالاتفاق، إلا أن يدعى الفرق بين الإضافة بالواسطة وبغيرها، وقال في "الوسيط": المفسرون كلهم قالوا: إن هذه الآية نزلت في قوم خافوا إن أسلموا أن لا يغفر لهم ما جنوا من الذنوب العظام، كالشرك، وقتل النفس والزنا ومعاداة النبي - صلى الله عليه وسلم - والقتال معه،