للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كانوا يسمون شعب الله، وهذه المكرمة التي أوتوها، والنعمة التي اختصوا بها، وكانوا مفضلين بها على الأمم والشعوب، تقتضي ذكرها وشكرها، ومن شكرها الإيمان بكل نبي يرسله الله سبحانه لهداية البشر، لكنهم جعلوا هذه النعمة حجة للإعراض عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، والازدراء به، زعما منهم أن فضل الله محصور فيهم، فلا يبعث الله نبيا إلا منهم؛ ولو نظر بنو إسرائيل إلى العهد العام، أو إلى العهود الخاصة المعروفة في كتابهم الذي أنزل الله إليهم. ومنها: أنه سيرسل إليهم نبيا من بني عمهم إسماعيل، يقيم شعبا جديدا لآمنوا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، واتبعوا النور الذي أنزل معه، وكانوا من الفائزين. أما عهد الله لهم، فأن يمكن لهم في الأرض المقدسة، ويرفع من شأنهم، ويخفض لهم العيش فيها، وينصرهم على أعدائهم الكفرة، ويكتب لهم السعادة في الآخرة.

وقرأ الزهري (١): {أوف} بعهدكم مشددا، ويحتمل أن يراد به التكثير، وأن يكون موافقا للمجرد. وقرأ ابن أبي إسحاق {فارهبوني} بالياء على الأصل. ولما كان من مواضع الوفاء بالعهد، خوف بعضهم من بعض، ذكر هنا أن الخوف يجب أن يكون من الله تعالى وحده، فقال: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}

٤١ - وبعد أن ذكر الوفاء بالعهد العام، انتقل إلى العهد الخاص المقصود من السياق، فقال: {وَآمِنُوا} يا بني إسرائيل: {بِما أَنْزَلْتُ} إفراد الإيمان (٢) بالقرآن بالأمر به، بعد اندراجه تحت العهد؛ لمّا أنّه العمدة القصوى في شأن الوفاء بالعهد؛ أي: صدقوا بهذا القرآن الذي أنزلته على محمد صلّى الله عليه وسلّم {مُصَدِّقًا لِما مَعَكُمْ}؛ أي: حال كون القرآن مصدقا للتوراة؛ لأنه نازل حسبما نعت فيها، وتقييد المنزل بكونه مصدقا لما معهم؛ لتأكيد وجوب الامتثال بالأمر، فإن إيمانهم بما معهم، مما يقتضي الإيمان بما يصدقه قطعا {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ} فريق {كافِرٍ بِهِ}؛ أي: بالقرآن، فإن وزر المقتدي يكون على المبتدىء كما يكون على المقتدي؛ أي (٣): لا تسارعوا إلى الكفر به؛


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.