يختاروا على الله شيئًا، وله الخيرة عليهم، فله أن يرسل من يشاء رسولًا بحسب ما يعلمه من الحكمة والمصلحة، دون أن يكون ذلك منوطًا بمال أو جاء، كما خُيِّل إلى بعض المشركين، فقالوا:{لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}.
ثم نزه سبحانه نفسه أن ينازعه في سلطانه أحد، فقال:{سُبْحَانَ اللَّهِ}؛ أي: تنزه الله بذاته تنزهًا خاصًا به من أن ينازعه أحد، ويشاركه مشارك، ويزاحم اختيارُهُ اختيارَهُ {وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}؛ أي: عن إشراكهم، أو عن الذين يجعلونهم شركاء له.
وفي "التأويلات النجمية": يشير إلى مشيئته الأزلية في الخلق والاختيار، وأنه فاعل مختار، يخلق ما شاء، كيف يشاء، ممن يشاء، ولما يشاء، متى يشاء، وله اختيار في خلق الأشياء، فيختار وجود بعض الأشياء في العدم فيُبقيه فانيًا في العدم ولا يوجده، وله الخيرة في أنه يخلق بعض الأشياء جمادًا، وبعض الأشياء نباتًا، وبعض الأشياء حيوانًا، وبعض الأشياء إنسانًا، وأن يخلق بعض الإنسان كافرًا، وبعض الإنسان مؤمنًا، وبعضهم وليًا، وبعضهم نبيًا، وبعضهم رسولًا، وأن يخلق بعض الأشياء شيطانًا، وبعضها جنًا، وبعضها ملكًا، وبعض الملك كروبيًا وبعضهم روحانيًا، وله أن يختار بعض الخلق مقبولًا، وبعضهم مردودًا. انتهى.
والمعنى (١): أي تنزيهًا له وعلوًا عن إشراك المشركين، فليس لأحد أن ينازع اختياره أو يزاحمه فيه، لعلمه باستعداد خلقه وصلاحيتهم للاصطفاء، فإذا أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يهدي أحدًا ممن يحب، أو أراد أهل مكة أن يرسل الله رسولًا من عظمائهم قال الله لهم: ليس لكم من الأمر شيء، فلا النبي - صلى الله عليه وسلم - بقادر على هدي عمه، ولا أهل مكة يصلون إلى أن تكون الرسالة في عظمائهم.
٦٩ - ثم بيَّن أن اختياره تعالى مبني على العلم الصحيح، لا اختيارهم، فقال: