للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لقاءنا في الآخرة للحساب، والجزاء على الأعمال لإنكارهم للبعث، ورضوا بالحياة الدنيا بدلًا من الآخرة، فقصروا كل همهم من الحياة على الحصول على أغراضهم منها، وسكنت نفوسهم إلى شهواتها ولذاتها. {وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا} ودلائل قدرتنا {غَافِلُونَ}؛ أي: ساهون ومعرضون عنها، فلا يتدبرون منها ما نزل على رسولنا، وما حوته من عبر ومواعظ ومعاد وحكم، ولا يتفكرون في أحوال الكون وما فيها من حكمته وسننه في الخلق، وبهذا شاركوا الفريق الأول في الشغل بالدنيا عن الآخرة، ومن ثم لم يستعدوا لحسابنا وما يعقبه من نعيم مقيم، وعذاب أليم.

والعطف (١) إما لتغاير الوصفين، والتنبيه على أن الوعيد على الجمع بين الذهول عن الآيات رأسًا والانهماك في الشهوات، بحيث لا تخطر الآخرة ببالهم أصلًا، وإما لتغاير الفريقين، والمراد بالأولين، من أنكر البعث ولم يرد إلا الحياة الدنيا، وبالآخرين من ألهاه حب العاجل عن التأمل في الآجل والاستعداد له.

٨ - {أُولَئِكَ} الموصوفون بالصفات السابقة {مَأْوَاهُمُ} ومسكنهم في الآخرة {النَّار} جزاء {بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}؛ أي: جزاءً على ما كانوا يقترفون من السيئات طول حياتهم، فهم قد دنسوا أنفسهم بشرور الوثنية، وظلمات الشهوات الحيوانية، فلم يبق لنور الحق والخير مكان فيها، ومن ثم لا يجدون ملجأً بعد هول الحساب إلا جهنم دار العذاب.

٩ - وبعد (٢) أن أبان جزاء الفريق الأول .. كان من الواضح أن تستشرف نفس القارئ والسامع إلى جزاء الفريق الثاني فقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا}؛ أي: شغلوا قلوبهم وأرواحهم بتحصيل المعرفة {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}؛ أي: شغلوا جوارحهم بالخدمة، فعينهم مشغولة بالاعتبار، وأذنهم مشغولة بسماع كلام الله تعالى، ولسانهم مشغول بذكر الله {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ}؛ أي: يهديهم إلى الجنة ثوابًا لهم على إيمانهم وأعمالهم الصالحة، وإنما لم يذكر الجنة تعويلًا على ظهورها،


(١) البيضاوي.
(٢) المراغي.