للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العصمة كَلاَبِنٍ وتامر، والتقديرُ: لا عَاصمَ قط؛ أي: لا مكانَ ذا عصمةٍ إلا مكانَ مَنْ رحم الله، وهو السفينةَ.

وذكر صاحب "الانتصاف" (١): أنَّ الاحتمالات الممكنة هنا أربعةٌ: لا عَاصمَ إلّا راحم، لا معصومَ إلا مرحوم، لا عاصمَ إلا مرحوم، لا معصومَ إلا راحم. فالأولان استثناء من الجنس، والآخران استثناء من غير الجنس، فيكون منقطعًا؛ أي: لكنِ المرحومُ يُعْصمُ على الأول ولكن الراجح يَعْصِمُ مَنْ أراد على الثاني، اهـ "زاده" و"شهاب".

وقُرِىءَ (٢): {إِلَّا مَنْ رُحِمَ} بضم الراء، بالبناء للمفعول، وهذا يدل على أنَّ المراد بِمَنْ في قرَاءة الجمهور الذين فتحوا الراءَ هو المرحومُ لا الراحمُ.

{و} كان الماء يتزايدَ ويرتفع أثناء المحادثةِ والمراجعة بينهما حتى {حال بينهما}؛ أي: بين الولد ووالده {الْمَوْجُ فَكَانَ} الولدُ {مِنَ الْمُغْرَقِينَ} بالفعل الهالكين بالطوفان، فتعذَّر خَلاصُه مِن الغرق، قيل كَانَا يتَراجَعَانِ الكلامَ فما استتمَّت المراجعةُ حتى جاءت موجة عظيمةٌ، وكان راكبًا على فرس قد بَطِرَ وأعجب بنفسه، فالتقمته وفرسه، وحيل بينه وبين نوح فغرق وقال الفراء (٣): بَيْنَهُما؛ أي: بين نوح والجبل الذي ظنَّ أنه يعصمه، والأول أولى لأن تَفَرُّعَ {فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} عليه يدل على الأول لا على الثاني, لأنَّ الجبلَ ليس بعاصم.

٤٤ - ثُمَّ ذَكَر ما حدث بعد هلاكهم مبيِّنًا قُدْرَتَه تعالى فقال: {وَقِيلَ}؛ أي: قال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ}؛ أي: أنشفي ما على وَجْهك من ماء الطوفان، {وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي}؛ أي: أمسكي عن إرسال المطر، وقدَّم نداء الأرض على السماء لكون ابتداءِ الطوفان منها {وَغِيضَ الْمَاءُ}؛ أي: ونقَصَ ما بين السماء والأرض من الماء، وفي "القرطبي"، وقيل: ميز الله بين الماءين فَمَا كَانَ من ماء


(١) الفتوحات.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.