فيحفظني ذلك الجبل {مِن} الغرق بـ {الْمَاءِ} وهذا يدل على عادته في الكفر، وعدم وثوقه بأبيه فيما أخبر به، قيل: والجبل الذي عَناه طُورُ زيتا، فلم يمنعه فَأجَابه نوح مبينًا له خطأَه بما ذكره الله سبحانه وتعالى {قال} نوح لابنه {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ}؛ أي: لا شيء يعصِم أحدًا في هذا اليوم العصيب، زاد اليومَ تنبيهًا على أنه ليس كسائر الأيام التي تقع فيها الوقائع التي ربما يخلص منها بالالتجاء إلى بعض الأسباب، اهـ "روح البيان".
{مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} سبحانه وتعالى؛ أي: مِن عذاب الله الذي قضاه على الكافرين، فليس الأمر أمر ماء يتقى بالأسباب العادية، وإنما هو انتقامٌ من أشرار العباد الذين أشركوا بالله، وظلموا أنْفُسَهم، وظلموا الناسَ بطغيانهم في البلاد. والاستثناء في قوله:{إِلَّا مَنْ رَحِمَ} منقطع بمعنى لكن؛ أي: لا عاصم اليومَ من أمر الله لكن من رحمه الله تعالى فهو المعصوم, لأنَّ المستثنى هو المعصوم، والمستثنى منه هو العاصم؛ أي: لكن مَنْ عصمه الله سبحانه وتعالى ورحمه، فهو المعصومُ المرحوم، وقد اختص بهذه الرحمة والعصمةِ مَنْ حَمَلَهُم في السفينة.
والمعنى: لا مانِعَ (١) من أمر الله وعذابه اليومَ فإنه يوم قد حق فيه العذاب، وجف القلم بما هو كائن فيه، نفى جنسَ العاصم، فيندرج تحته العاصم من الغرق في ذلك اليوم اندراجًا أوليًّا، وعبر عن الماء أو عن الغرق بأمر الله سبحانه تفخيمًا لشأنه، وتهويلًا لأمره، والاستثناء هنا قال الزجاج: هو منقطعٌ؛ أي: لكن مَنْ رَحِمَهُ الله فهو يعصمه فيكون {مَنْ رَحِمَ} في مَوْضع نصب، ويجوز أن يكونَ الاستثناء متصلًا على أن يكون عاصم بمعنى معصوم؛ أي: لا مَعْصُومَ اليومَ من أمر الله إلّا مَنْ رحمه الله مثل: {مَاءٍ دَافِقٍ} بمعنى مدفوق و {عيشة راضية} بمعنى مَرْضِيَّةٍ، وقول الشاعر: