للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والأبناء بالجوع فنزلت هذه الآية.

التفسير وأوجه القراءة

٦٣ - ثم أضرب سبحانه عما سبق، وذكر أحوال الكفار فقال: {بَلْ قُلُوبُهُمْ}؛ أي: قلوب الكفرة {فِي غَمْرَةٍ}؛ أي: في غفلة غامرة؛ أي: ساترة لها {مِنْ هَذَ} الذي بين في القرآن، من أن لدينا كتابًا ينطق بالحق؛ أي: ديوان الحفظة الذي يظهر لهم أعمالهم السيئة على رؤوس الأشهاد، فيجزون بها؛ أي (١): بل قلوب الكفار في غمرة غامرة لها، عن هذا الكتاب الذي ينطق بالحق، أو على الأمر الذي عليه المؤمنون، يقال: غمره الماء إذا غطاه، ونهر غمر يغطي من دخله. والمراد بها هنا: الغطاء أو الحيرة والعمي. وقد تقدم الكلام على الغمرة قريبًا.

والمعنى: أي (٢) بل قلوب المشركين في غفلة عن هذا القرآن، والاسترشاد بما جاء به، مما فيه سعاده الناس في دينهم ودنياهم، فلو قرؤوه وتدبروه لرأوا أنه كتاب ينطق بالحق والصدق، وأنه يقضي بأن أعمال المرء مهما دقت فهو محاسب عليها، وأن ربك لا يظلم من عباده أحدًا. ثم ذكر جنايات أخرى لهم فوق جنايتهم السابقة، فقال: {وَلَهُمْ}؛ أي: وللكفار {أَعْمَالٌ} كثيرة خبيثة {مِنْ دُونِ ذَلِكَ} الذي ذكر من كون قلوبهم في غفلة عظيمة مما ذكر، وهي فنون كفرهم ومعاصيهم التي من جملتها ما سيأتي، من طعنهم في القرآن، وإقامة إمائهم في الزنا. {هُمْ}؛ أي: الكفار {لَهَا}؛ أي: لتلك الأعمال {عَامِلُونَ}؛ أي: معتادون فعلها، مستمرون عليها.

والمعنى: أي إن لهم أعمالًا أخرى أسوأ من ذلك، فقد أغرقوا في الشرك والمعاصي واتخذوا هذا الكتاب هزوًا، وجعلوه سمرهم في البيت الحرام، يقولون فيه ما هو منه براء، يقولون: {مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى}، و {مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}، وما هو إلا كلام شاعر، ويتقولون على من أرسل به، {إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ}، وأنه قد تعلمه من غيره من أهل الكتاب، وانغمسوا في عبادة


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.