للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كونكم متلبسين {بِقُوَّةٍ}؛ أي: بجد واجتهاد وعزم على تحمل تكاليفه {وَاذْكُرُوا ما فِيهِ}؛ أي: واذكروا ما في الكتاب الذي أعطيناكموه من الأوامر والنواهي بالعمل به، ولا تنسوه، وقيل: واذكروا ما فيه من الثواب والعقاب، وقيل: واعملوا بما فيه من الحلال والحرام. {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}؛ أي: لكي تجعلوا ذلك الامتثال وقاية وسترا لكم من عذاب الله تعالى، وتزكية لنفوسكم من الأدناس؛ فإنّ

قوة العزيمة في إقامة الدين تزكي النفوس وتهذب الأخلاق، كما أنّ التهاون فيها يدسّيها ويغريها على اتباع الشهوات {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (١٠)} أو المعنى: لكي تتقون قبائح الأعمال ورذائل الأخلاق. وقرأ (١) الأعمش {واذكروا} بالتشديد من الأذكار. وقرأ ابن مسعود {وتذكروا}، وقرىء {وتذكروا} بالتشديد بمعنى وتذكروا.

١٧٢ - قوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ} معطوف على قوله: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ} عطف قصة على قصة، والحكمة في تخصيص (٢) بني إسرائيل بهذه القصة الزيادة في إقامة الحجة عليهم، حيث أعلمهم الله بأنّه أعلم نبيه بمبدأ العالم، فضلا عن وقائعم؛ أي: واذكر يا محمد للناس كافة قصة إذ أخذ ربك العهد {مِنْ بَنِي آدَمَ} على التوحيد وقال لهم: اعلموا أنه لا إله غيري، وأنا ربكم لا رب لكم غيري، فلا تشركوا بي شيئا، فإنّي سأنتقم ممن أشرك بي ولم يؤمن بي، وإنّي مرسل إليكم رسلا يذكرونكم عهدي وميثاقي هذا، ومنزل عليكم كتابا، فتكلموا جميعا وقالوا: شهدنا أنك ربنا لا رب لنا غيرك، فأخذ بذلك مواثيقهم حين استخرج {مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}؛ أي: أخرج بعضهم من ظهور بعض، آخر الأبناء من الآباء بطنا بعد بطن، فأخرج أولا ذرية آدم من ظهره، فأخذوا من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس، ثم أخرج من هذا الذر الذي أخرجه من آدم ذريته ذرا، ثم أخرج من الذر الآخر ذريته ذرا، وهكذا إلى آخر النوع الإنساني، وانحصر الجميع قدام آدم، ونظر لهم بعينه، وخلق فيهم العقل والفهم والحركة والكلام، وبين مسلمهم من كافرهم، بأن جعل الذر المسلم أبيض والكافر أسود {وَأَشْهَدَهُمْ


(١) البحر المحيط.
(٢) الصاوي.