للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وضرب آخر ينال بالكسب والاستعداد مع اللطف الإلهي والتوفيق لنيل المراد.

ثم ختم سبحانه الآية بنفي الشرك وتقرير التوحيد، فقال: {وَلَوْ أَشْرَكُوا}؛ أي: ولو أشرك هؤلاء الأنبياء المهديون بربهم مع الله سبحانه وتعالى إلهًا آخر، فعبدوا معه غيره {لَحَبِطَ} وبطل {عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}؛ أي: أجر أعمالهم التي كانوا يعملونها؛ أي: لبطل عنهم مع فضلهم وعلو درجاتهم أعمالهم المرضية، وعبادتهم الصالحة، فكيف بمن عداهم، والمقصود من هذا الكلام: تقرير التوحيد وإبطال طريقة الشرك إذ توحيد الله تعالى هو المزكي للأنفس، فضده وهو الشرك منتهى النقص والفساد المدنس لها، والمفسد لفطرتها، فلا يبقى معه فائدة لعمل آخر يترتب عليه نجاتها وفلاحها به.

٨٩ - {أُولَئِكَ} الأنبياء الثمانية عشر المذكورون بأسمائهم هم {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ} وأعطيناهم {الْكِتَابَ}؛ أي: فهمًا تامًّا لما في الكتاب، وعلمًا محيطًا بأسراره. فالمراد بإيتاء الكتاب لكل منهم: تفهيم ما فيه أعم من أن يكون ذلك بالإنزال عليه ابتداءً، أو بوراثته ممن قبله، ذكره "أبو السعود" بالمعنى. والمراد بالكتاب: ما ذكر في القرآن من صحف إبراهيم وموسى، وزبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى {و} آتيناهم {الْحُكْمَ}؛ أي: العلم والفقه في الدين، فإن الله تعالى جعلهم حكامًا على الناس نافذي الحكم فيهم بحسب الظاهر {وَالنُّبُوَّةَ} فيقدرون بها على التصرف في ظواهرهم كالسلاطين، وفي بواطنهم وأرواحهم كالعلماء، وكل نبي من الأنبياء آتاه الله العلم الصحيح والفقه في أمور الدين وشؤون الإصلاح وفهم الكتاب الذي تعبده به، سواء أنزله عليه، أم أنزله على غيره، واختص بعضهم بإتائه الحكم صبيًّا؛ كيحيى وعيسى؛ أي: بإعطائه ملكة الحكم الصحيح في الأمور.

وأما (١) الحكم بمعنى القضاء والفصل في الخصومات، فلم يعطه إلا بعض الأنبياء، وتكون هذه العطايا الثلاث أعني: الكتاب والحكم والنبوة مرتبة بحسب


(١) المراغي.