والإنكار متوجه إلى نفي البكاء ووجود السمود. والوجه الأول أوفى بحق المقام، فتدبر كما في "الإرشاد".
والمعنى (١): أفينبغي لكم بعد ذلك أن تعجبوا من هذا القرآن، وقد جاءكم بما فيه هدايتكم إلى سواء السبيل، وإرشادكم إلى الطريق المستقيم. وكيف تسخرون منه، وتستهزئون به، ولا تكونوا كالموقنين الذين وصفهم الله تعالى بقوله: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (١٠٩)}. وكيف تلهون عن استماع عبره، وتغفلون عن مواعظه، وتتلقونها تلقي اللاهي الساهي المعرض عما يسمع غير المكترث بما يلقى إليه.
أخرج البيهقي في "شعب الإيمان" عن أبي هريرة قال: لما نزلت: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (٥٩)} الآية، بكى أصحاب الصفة، حتى جرت دموعهم على خدودهم، فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينهم بكى معهم، فبكينا ببكائه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يلج النار من بكى من خشية الله تعالى، ولا يدخل الجنّة مصر على معصيته، ولو لم تذنبوا .. لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون، فيغفر لهم". وروي: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم ير ضاحكًا بعد نزول هذه الآية. وفي قوله:{وَلَا تَبْكُونَ} حث على البكاء عند سماع القرآن.
٦٢ - ثم بين ما يجب عند سماع القرآن من الإجلال والتعظيم، فقال:{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ}؛ أي: صلّوا مخلصين لله. {وَاعْبُدُوا}؛ أي: أفردوه بالعبادة، ولا تعبدوا اللات، والعزى، ومناة، والشعرى، وغيرها من الأصنام.
والفاء في قوله:(٤){فَاسْجُدُوا} لترتيب الأمر، أو موجبه على ما تقرر من بطلان مقابلة القرآن بالإنكار، والاستهزاء، ووجوب تلقيه بالإيمان والإذعان مع كمال الخضوع والخشوع؛ أي: وإذا كان الأمر من الكفّار كذلك، وأردتم بيان ما هو اللازم لكم .. فأقول لكم: اسجدوا لله الذي أنزله، واعبدوه، ولا تعبدوا غيره من ملَكٍ أو بشر، فضلًا عن جماد لا يضرّ ولا ينفع كالأصنام، والكواكب. قال في "عين المعاني": فاسجدوا؛ أي: في الصلاة. والأصحّ: أنه على الانفراد. وهي