للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أخصر منه؟

قلتُ: عدل إليه لإرادة تعريف العهد؛ أي: لأجعلنك ممن عرفت حالهم في سجني، وكان إذا سجن إنسانًا طرحه في هوة عميقة مظلمة، لا يبصر فيها ولا يسمع، انتهت.

والمعنى: أي: قال له: لأجعلنك في زمرة الذين في سجوني على ما تعلم من فظاعة أحوالها وشديد أهوالها، وكانت سجونه أشد من القتل؛ لأنه إذا سجن أحدًا لم يخرجه حتى يموت، وكان يطرحه في هوة عميقة تحت الأرض وحده، وفي توعده بالسجن ضعف منه؛ لما يروى أنه كان يفزع من موسى فزعًا شديدًا، حتى كان اللعين لا يمسك بوله بعد ذلك.

٣٠ - وحينئذ اضطر موسى أن يترك الأدلة العقلية وراءه ظهريًا، ويلجأ إلى المعجزات وخوارق العادات فـ {قَالَ}؛ أي: موسى لفرعون حين توعده بالسجن {أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ} {الهمزة}: للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف، والواو للحال؛ أي: أتفعل بي ذلك السجن، ولو جئتك بشيء موضح لصدق دعواي، يعني: المعجزة، فإنها الجامعة بين الدلالة على وجود الصانع، والدلالة على صدق مدعي نبوته؛ أي: أتفعل بي ذلك حالة كوني آتيًا بشيء مبين. وجعلها بعضهم للعطف على فعل محذوف؛ أي: أتفعل بي ذلك لو لم أجيء بشيء مبين، ولو جئتك به؛ أي: أتفعل به على كل حال من عدم المجيء والمجيء، وتقدم لنا الكلام على هذه {الواو} الداخلية على لو في مثل هذا السياق في قوله: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} فأغنى عن بسطه.

وقال الحوفي (١): واو العطف دخلت عليها همزة الاستفهام للتقرير، والمعنى: أتسجنني حتى في هذه الحالة التي لا تناسب أن أسجن وأنا ملتبس بها، اهـ والمعنى؛ أي: أتفعل هذا ولو جئتك بحجة بينة واضحة على صدق دعواي، وهي المعجزة الدالة على وجود الإله القادر وحكمته، وعلى صدق


(١) البحر المحيط.