وقيل المعنى: فإن لم يستجيبوا لك بالإيمان بما جئت به، والاستفهام في قوله:{وَمَنْ أَضَلُّ} إنكاري، بمعنى النفي؛ أي: لا أحد أضل {مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ} ومشتهاه في الدين {بِغَيْرِ هُدًى} وبيان وحجة {مِنَ اللَّهِ} سبحانه، بل هو الفرد الكامل في الضلال، وتقييد اتباع الهوى بعدم الهدى من الله لزيادة التقرير، والإشباع في التشنيع والتضليل، وإلا فمقارنته لهدايته تعالى بينة الاستحالة. وقال بعضهم: هوى النفس قد يوافق الحق، فلذا قيَّد الهوى به، فيكون في موضع الحال منه.
{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه {لَا يَهْدِي} ولا يرشد إلى دينه {الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}؛ أي: الذين ظلموا أنفسهم بالانهماك في اتباع الهوى، والإعراض عن الآيات الهادية إلى الحق المبين.
وينبغي للعاقل أن يكون من أهل الهدى، لا من أهل الهوى، وإذا عرض له أمران فلم يدر أيهما أصوب فعليه بما يكرهه، لا بما يهواه، ففي حمل النفس على ما تكرهه مجاهدة، وأكثر الخير في الكراهية والعمل بما أشار إليه العقل السليم واللب الخالص.
والمعنى: أن الله سبحانه لا يوفِّق لإصابة الحق، واتباع سبيل الرشد من خالفوا أمره، وتركوا طاعته، وكذبوا رسله، وبدلوا عهده، واتبعوا هوى أنفسهم إيثارًا منهم لطاعة الشيطان على طاعة الرحمن.
٥١ - ولما أثبت نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - بيَّن الحكمة في إنزال القرآن منجمًا, فقال:{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ}، قرأ الجمهور {وَصَّلْنَا} مشدد الصاد، والحسن وأبو المتوكل وابن يعمر: بتخفيفها، والضمير في {لَهُمُ} لقريش، والتوصيل مبالغة في الوصل، وحقيقة الوصل رفع الحائل بين الشيئين؛ أي: وعزتي وجلالي لقد أكثرنا لقريش القول موصولًا بعضه ببعض، بأن أنزلنا عليهم القرآن آية بعد آية، وسورة بعد سورة، حسبما تقتضيه الحكمة، ليتصل التذكير، ويكون أدعى لهم؛ أي: أنزلنا القرآن يتبع بعضه بعضًا، ويُخبر عن الأمم الخالية كيف عذبوا {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ويتعظون فيؤمنون.