وقيل: المعنى: أكثر المشركين بالجن، {بِهِمْ}؛ أي: بالجن، وبقولهم الكذب: الملائكة بنات الله، {مُؤْمِنُونَ}؛ أي: مصدقون ومتابعون، ويغترون بما يلقون إليهم من أنهم يشفعون لهم، وعبارة أبي حيان هنا: وإذا هم قد عبدوا الجن .. فما وجه قولهم: أكثرهم بهم مؤمنون، ولم يقولوا جميعهم، وقد أخبروا أنهم كانوا يعبدون الجن؟
والجواب: أنهم لم يدَّعوا الإحاطة؛ إذ قد يكون في الكفار من لم يطلع عليهم الملائكة، أو أنهم حكموا على الأكثر بإيمانهم بالجن، لأن الإيمان من عمل القلب، فلم يذكروا الإطلاع على جميع أعمال قلوبهم؛ لأن ذلك لله تعالى. اهـ.
ومعنى الآية: أي واذكر أيها الرسول لقومك يوم يحشر ربك العابدين المستكبرين منهم، والمستضعفين مع المعبودين من الملائكة وغيرهم، ثم تسأل الملائكة: أأنتم أمرتم هؤلاء بعبادتكم، وهذا سؤال وجّه إلى الملائكة ظاهرًا، والمراد منه: تقريع المشركين، وتيئيسهم مما علقوا عليه أطماعهم من شفاعتهم لهم، فهو وارد على نهج قوله تعالى لعيسى عليه السلام:{أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ}، وقد علم سبحانه أن الملائكة وعيسى براء مما وجه إليهم من السؤال الوارد على طريق التقرير، ولكن جاء ليقول ويقولوا، وشمال ويجيبوا، فيكون توبيخهم أشد، وتعييرهم أبلغ، وخجلهم أعظم. {قَالُوا}؛ أي: قالت الملائكة: تعاليت ربنا وتقدست عن أن يكون معك إله، نحن عبيدك، نتبرأ إليك من هؤلاء، وأنت الذي نواليه دونهم، فلا موالاة بيننا وبينهم.
والخلاصة: أننا برآء من عبادتهم والرضا بهم، ثم بيَّن أنهم ما عبدوهم على الحقيقة بقوله:{بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ}؛ أي: بل هم كانوا يعبدون الشياطين؛ لأنهم هم الذين زينوا لهم عبادة الأوثان، وأضلوهم، وأكثر المشركين مؤمنون بالجن، مصدقون لهم فيما يقولون؛ إذ كانوا يعبدون غير الله بوسوستهم، ويستغيثون بهم في قضاء حاجاتهم، كما هو مشهور لدى أرباب العزائم والسحرة.
٤٢ - ولما أبطل تمسكهم بهم بعد تقريعهم وتأنيبهم .. زادهم أسى وحسرة، فقال:{فَالْيَوْمَ}؛ أي: يوم الحشر، والفاء: ليست لترتيب ما بعدها من الحكم على جواب