للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الخزائن بَعْدَه في قصة نوح، ولفظُ المال بها ألْيَق، وفي "الجمل" قوله: {أَجْرًا} قال في نوح مالًا، وهنا أجرًا تَفنُّنًا، اهـ.

و (الهمزة) في قوله: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} للتوبيخ داخلة على محذوف، و (الفاء) عاطفةٌ على ذلك المحذوف، والتقدير: أي أتغفلون عن هذه القصة فلا تعقلونَها أو أفلا تعقلونَ أنّ أجْرَ الناصحين، إنما هو من رب العالمين، أو أفلا تعقلون ما يقال لكم: فتميزوا بين ما يضرُّ وما ينفع، وإني لكم ناصح أمين، فلا أغشكم فيما أدعوكم إليه.

٥٢ - ثمَّ أرشدهم إلى الاستغفار والتوبة فقال: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ}؛ أي: سَلُوهُ أن يغفرَ لكم ما تقدَّم من شرككم {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} من بعد التوحيد بالندم على ما مضى، وبالعزم على أن لا تعودوا لمثله، وفي "الخازن": {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ}؛ أي: آمنوا (١) به، فالاستغفار هنا بمعنى الإيمان؛ لأنه هو المطلوب أولًا {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} يعني من شرككم، وعبادتكم غيره، ومن سالف ذنوبِكم، انتهى. وفي "روح البيان" واللَّائِحُ (٢) للبال أن المعنى: اطْلُبُوا مغفرةَ الله تعالى لذنوبكم السالفةِ من الشرك، والمعاصي بأنْ تُؤمنوا به، فإنَّ الإيمانَ يَجُبُّ ما قَبْلَهُ أي يقطع، ثم ارْجِعُوا إليه بالطاعة؛ فإنَّ التحليةَ - بالمهملة - بعد التخلية - بالمعجمة -، فتكون ثُمَّ على بابها في التراخي، انتهى.

{يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ}؛ أي: يُنْزِل المطرَ عليكم حالةَ كونه {مِدْرَارًا}؛ أي: كثيرَ الدرور والنزول مُتَتابعًا مرة بعد مرة في أوقات الحاجة إليه، وذلك (٣) أنَّ بِلاَدَهم كانت مخصبةً كثيرة الخير والنعم، فأمسك الله عنهم المطر مُدَّةَ ثلاث سنين، فأجْدَبَتْ بلادهم وقحطت بسبب كفرهم، فأخبرهم هود عليه السلام أنهم إنْ آمنوا باللهِ وصدقوا رسوله أَرْسَلَ اللَّه إليهم المطرَ فأحيا به بلادهم كما كانت أولَ مرَّةٍ.


(١) الخازن.
(٢) روح البيان.
(٣) الخازن.