للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالنصر عليهم، وبيان عذاب الآخرة فوق ما أنذروا به من عذاب الدنيا، فمن لم يدركه العذاب الأول .. لم يفلت من الثاني.

وقال أبو حيان (١): ولما ذكر تعالى النوم واليقظة .. كان ذلك تنبيهًا على الموت والبعث، وأن حكمهما بالنسبة إليه تعالى واحد، فكما أنام وأيقظ يميت ويحيي.

وقرأ طلحة وأبو رجاء: {ليقضي أجلًا مسمى} ببناء الفعل للفاعل، ونصب {أجلًا}؛ أي: ليتم الله تعالى آجالهم، كقوله: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ}. وفي قراءة الجمهور يحتمل أن يكون الفاعل المحذوف ضميره تعالى أو ضميرهم.

٦١ - وبعد أن أبان الله سبحانه وتعالى أمر الموت والرجوع إلى الله للحساب والجزاء .. ذكر قهره لعباده، وإرسال الحفظة بإحصاء أعمالهم وكتابتها عليهم، فقال: {وَهُوَ} سبحانه وتعالى {الْقَاهِرُ}؛ أي: الغالب المتصرف في خلقه بما يشاء في أمورهم إيجادًا وإعدامًا وإحياءً وإماتةً وإثابةً وتعذيبًا إلى غير ذلك، العالي بقدرته وسلطانه {فَوْقَ عِبَادِهِ} فوقية تليق بجلاله لا نكيفها ولا نمثلها، بل نؤمن بها, ولا نعطلها ولا نؤولها، بل نمرها على ظاهرها كما جاءت، كما هو مذهب السلف الأسلم الأعلم في آيات الصفات وأحاديثها؛ أي: وهو سبحانه وتعالى القاهر المستحق منكم العبادة، لا المقهورون من الأوثان والأصنام المغلوبون على أمرهم. ومعنى القاهر: الغالب لغيره المذلل له، والله تعالى هو القاهر لخلقه، وقهر كل شيء بضده، فقهر الحياة بالموت، والإيجاد بالإعدام، والغنى بالفقر، والنور بالظلمة.

{وَيُرْسِلُ} سبحانه وتعالى {عَلَيْكُمْ} أيها العباد ويوكل بكم {حَفَظَةً}؛ أي: ملائكة يحفظون أعمالكم ويكتبونها في صحائف تقرأ عليكم يوم القيامة على رؤوس الأشهاد. يعني: أن من جملة قهره لعباده إرسال الحفظة عليهم لمراقبتهم، وإحصاء أعمالهم وكتابتها، وحفظها في الصحف التي تنشر يوم الحساب، وهي المرادة


(١) البحر المحيط.