للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جميع ما كسبتم وعملتم في النهار؛ أي: يعلم جميع ما كسبتم حين اليقظة، ويكون معظم ذلك في النهار سواء أكان خيرًا أم شرًّا.

وفي "الفتوحات": والتقييد (١) بالظرفين جري على الغالب، إذ الغالب أن النوم في الليل والكسب في النهار، وخصَّ النهار بالذكر دون الليل؛ لأن الكسب فيه أكثر؛ لأنه زمن حركة الإنسان، والليل زمن سكونه. اهـ "كرخي".

{ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ}؛ أي: يوقظكم في النهار، عطف على {يَتَوَفَّاكُمْ}، وتوسيط (٢) الفعل بينهما لبيان ما في بعثهم من عظم الإحسان إليهم بالتنبيه على ما يكسبونه من السيئات. قال البيضاوي: أطلق البعث ترشيحًا للتوفي؛ أي: لما استعير التوفي من الموت للنوم .. كان البعث الذي هو في الحقيقة الإحياء بعد الموت ترشيحًا؛ لأنه أمر يلائم المستعار منه. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير هو الذي يتوفاكم بالليل، ثم يبعثكم بالنهار، ويعلم ما جرحتم فيه. {لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى}؛ أي: يوقظكم ويرسلكم لكسب أرزاقكم وأقواتكم ومناجاة إلهكم وخالقكم؛ لأجل أن يقضي أجلًا مسمى؛ أي: لأجل أن يستوفي ويستكمل المتيقظ آخر أجله وعمره المعين له في علمه تعالى، فإن لأعماركم آجالًا مقدرة مكتوبة لا بد من قضائها وإتمامها. ومعنى الآية: أن إمهاله تعالى للكفار ليس للغفلة عن كفرهم، فإنه عالم بذلك، ولكن ليقضى أجل مسمى؛ أي: معين لكل فرد من أفراد العباد من حياة ورزق {ثُمَّ} بعد انقضاء آجالكم وموتكم {إِلَيْهِ} سبحانه وتعالى، لا إلى غيره {مَرْجِعُكُمْ}؛ أي: رجوعكم بالبعث بعد الموت {ثُمَّ} بعد بعثكم وحشركم {يُنَبِّئُكُمْ}؛ أي: يخبركم {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} في حياتكم الدنيا، ويجازيكم بذلك إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر. والقادر (٣) على البعث مِن تَوفي النوم قادرٌ على البعث من توفي الموت، وفي ذكر الأجل المسمى والرجوع إلى الله تعالى لأجل الحساب والجزاء إيماء إلى تأييد ما تقدم من حكمة تأخير ما كان يستعجله مشركوا مكة من وعيد الله لهم، ووعده لرسله


(١) الجمل.
(٢) أبو السعود.
(٣) المراغي.