للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أو على {نُوحًا}، فالعامل فيه {هَدَيْنَا}، و {مِنْ} ابتدائية، والمفعول محذوف؛ أي: وهدينا بالنبوة والإِسلام من آبائهم جماعات كثيرة: آدم وشيثًا وإدريسَ وهودًا وصالحًا، ومن ذرياتهم جماعات كثيرة: أولاد يعقوب، ومن إخوانهم جماعات كثيرة: إخوة يوسف، لا كلهم؛ إذ أن بعض هؤلاء الأقربين لم يهتد بهدي ابنه، أو أبيه أو أخيه، ألا ترى إلى أبي إبراهيم، وابن نوح، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (٢٦)}.

قوله: {وَاجْتَبَيْنَاهُمْ} عطف على (١) {فَضَّلْنَا}، وتكرير الهداية في قوله: {وَهَدَيْنَاهُمْ} إلخ لتكرير التأكيد وتمهيدًا لبيان ما هدوا إليه، يقال (٢): اجتبى فلان فلانًا لنفسه إذا اختاره واصطفاه، ومعنى اجتباء الله العبد: تخصيصه إياه بفيض إلهي يحصل له منه أنواع من النعم بلا سعي منه، كما يحدث للأنبياء والصديقين والشهداء.

والمعنى: أي وفضلنا كلًّا من الأنبياء المذكورين على العالمين واجتبيناهم؛ أي: اصطفيناهم بالنبوة والرسالة واخترناهم بالقرب إلينا وهديناهم؛ أي: أرشدناهم {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}؛ أي: إلى دين الحق القويم الذي لا عوج فيه، وهو توحيد الله تعالى وتنزيهه عن الشرك.

٨٨ - {ذَلِكَ} الهدى الذي هدي به من تقدم ذكرهم من الأنبياء والرسل، فوفقوا به لإصابة الدين الحق الذي به رضا ربهم، وشرف الدنيا وكرامة الآخرة هو {هُدَى اللَّهِ} الخاص وتوفيقه ولطفه الذي {يَهْدِي بِهِ} ويوفق به {مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} حتى ينيب إلى طاعته، ويخلص العمل له، ويقر بالتوحيد، ويرفض الأوثان والأصنام.

والهداية ضربان: ضرب ليس لصاحبه سعي فيه، ولا هو مما ينال بالكسب، وهو النبوة، وهو ما أشير إليه بقوله لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧)


(١) أبو السعود.
(٢) المراغي.