قوله تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ...} الآيتين، وقد ذهب أكثر الأئمة (١) إلى أنَّ الآيتين نزلتا في عكل وعرينة؛ فقد روى أحمد والبخاري ومسلم وأصحابُ السنن عن أنسٍ رضي الله عنه: أنَّ ناسًا من عكل وعرينة قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتكلموا بالإِسلام، فاستوخموا المدينة - وجدوها رديئة المناخ - فأمر لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بذود - بضع من الإبل - وراعٍ، وأمرهم أنْ يخرجوا فيشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا حتى إذا كانوا بناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا راعي النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، واستاقوا الذود، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبعث الطلب في آثارهم، فأمر بهم فسمروا أعينهم - كحلوها بمسامير الحديد المحماة - وقطعوا أيديهم، وتركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم، زاد البخاري: أن قتادة الذي روى الحديث عن أنس نقال: بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك (كان يحث على الصدقة، وينهى عن المثلة). وروى أبو داودَ والنسائي عن أبي الزناد أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قطع الذين سرقوا لقاحه، وسمل أعينهم بالنار، عاتبه الله تعالى في ذلك فأنزل:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا ...} الآية.
التفسير وأوجه القراءة
٢٧ - {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ}؛ أي: واقرأ يا محمَّد على هؤلاء الحسدة من اليهود وأشباههم {نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ} عليه السلام؛ أي: خبر ولدي آدم من صلبه على الراجح عند المفسرين قابيل وهو أكبرهما وهابيل وهو أصغرهما تلاوةً متلبسة {بِالْحَقِّ} والصدق، مظهرة وكاشفة له، ومبينة لغرائز البشر وطبائعهم، وهي أنَّهم جبلوا على التباين والاختلاف الذي يفضي إلى التحاسد، والبغي، والقتل، ليعلموا الحكمة فيما شرعه الله في عقاب البغاة من الأفراد والجماعات، ويفقهوا أن بغي اليهود على الرسول والمؤمنين ليس من دينهم في شيء، وإنَّما ذاك للحسد