للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فاعل وفعل بمعنى واحد، ومثله ضاعف وضعف، انتهى. وقال الزمخشري: وقرأ أبيٌّ {متدخلًا لوألُوا إليه}؛ أي: لالتجووا إليه، انتهى، وعن أبيٍّ {لَولَّوا وجوههم إليه} وقرأ أنس بن مالك والأعمش {وهم يَجْمَزون} قيل: يجمحون ويجمزون ويشدون واحدٌ، وقال ابن عطية يجمزون يُهَرْولون، ومنه قولهم في حديث الرجم: "فلما أذلقته الحجارة جمز".

ولمَّا (١) كان العطف بـ {أو} عاد الضمير إليه مفردًا، على قاعدة النحو في {أوْ} فاحتمل من حيث الصناعة أن يعود على الملجأ، أو على المدخل، فلا يحتمل في الظاهر أن يعود على المغارات لتذكيره، وأما بالتأويل فيجوز أن يعود عليها.

٥٨ - ثم شرع سبحانه وتعالى في ذكر نوع آخر من قبائحهم فقال: {وَمِنْهُمْ}؛ أي: ومن هؤلاء المنافقين {مَنْ يَلْمِزُكَ} يا محمد ويعيبك سرًّا ويطعن عليك {فِي} قسمة {الصَّدَقَاتِ} والزكوات المفروضة بين الناس إذ يزعمون أنك تحابى فيها، وتؤتي من تشاء من الأقارب وأهل المودة، ولا تراعي العدل في ذلك، قيل: وفر الرسول - صلى الله عليه وسلم - قسم أهل مكة في الغنائم استعطافًا لقلوبهم، فضجَّ المنافقون. وقرأ الجمهور: {يَلْمِزُكَ} بكسر الميم مخففة، وقرأ يعقوب وحماد بن سلمة، عن ابن كثير والحسن: وأبو رجاء وغيرهم: بضمها، وهي قراءة المكيِّين، ورويت عن أبي عمرو. وقرأ الأعمش: {يُلَمِّزكُ}، بالتشديد، وروى أيضًا حماد بن سلمة، عن ابن كثير: {يلامزك} وهي مفاعلة من واحدٍ، ثم بيَّن سبحانه أسباب هذا اللَّمْز، وأن منشأه حرصهم على حطام الدنيا، فقال: {فَإِنْ أُعْطُوا}؛ أي: فإن أعطي هؤلاء اللامزون {مِنْهَا}؛ أي: من الصدقات، قدر ما يريدون في الكثرة، ولو بغير حق، كأن أظهروا الفقر كذبًا واحتيالًا {رَضُوا} بما وقع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعيِّبوه، واستحسنوا قسمته، وذلك لأنه لا مقصد لهم إلا حطام الدنيا، وليسوا من الدين في شيء {وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا}؛ أي: من الصدقات


(١) البحر المحيط.