للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتوبيخًا لأممهم: {مَاذَا أُجِبْتُمْ}؛ أي: أيَّ إجابة أجابكم بها أممكم حين دعوتموهم في دار الدنيا إلى توحيدي وطاعتي، أهي إجابة قبول وإذعان، أو إجابة رد وإنكار؟ {قَالُوا}؛ أي: قال الرسل تفويضًا للأمر إلى العدل الحكيم العالم، وعلمًا منهم أن الأدب في السكوت والتفويض، وأنَّ قولهم لا يفيد خيرًا ولا يدفع شرًّا: {لَا عِلْمَ لَنَا}؛ أي؛ لا علم لنا كعلمك فيهم؛ لأنك تعلم ما أضمروا وما أظهروا، ونحن لا نعلم إلا ما أظهروا لنا، فعلمك فيهم أنفذ من علمنا وأبلغ، ولأن الحاصل عندنا من أحوالهم هو الظن، وهو معتبر في الدنيا؛ لأن الأحكام في الدنيا مبنية على الظن، وأما الأحكام في الآخرة: فهي مبنية على حقائق الأشياء وبواطن الأمور، ولا عبرة بالظن في القيامة، فلهذا السبب قالوا: لا علم لنا {إِنَّكَ أَنْتَ} يا إلهنا {عَلَّامُ الْغُيُوبِ}؛ أي: عالم الغيب والشهادة؛ أي: فإنك تعلم ما أجابوا وأظهروا لنا، وما لم نعلمه مما أضمروه في قلوبهم، وقيل: معناه: إنك لا يخفى عليك ما عندنا من العلوم، وإن الذي سألتنا عنه ليس بخاف عليك؛ لأنك أنت علام الغيوب؛ أي: العالم بأصناف المعلومات على تفاوتها بالنسبة إلى غيرك، ليس يخفى عليك خافية. وقيل: المعنى: لا علم لنا إلى جنب علمك، أو لا علم لنا بما أحدثوا بعدنا، وإنما الحكم للخاتمة. وقيل: المعنى: لا علم لنا إلا علم ما أنت أعلم به منا. وقيل: إنهم ذهلوا عما أجاب به قومهم لهول المحشر.

وقرأ ابن عباس وأبو حيوة (١): {ماذا أجبتم} مبنيًّا للفاعل. وقرأ: {عَلَّامُ} بالنصب على أن الكلام قد تم بقوله: {إِنَّكَ أَنْتَ} بتقدير الخبر لـ {إنَّ}؛ أي: إنك أنت الموصوف بصفاتك المعروفة من العلم وغيره، ونصب {عَلَّامُ}؛ إما على الاختصاص، أو على النداء. وقرأ حمزة وأبو بكر: {الغيوب} بكسر الغين حيث وقع، كأن من قال ذلك من العرب .. قد استثقل توالي ضمتين مع الياء، ففر إلى حركة مغايرة للضمة، مناسبة لمجاورة الياء وهي الكسرة.

١١٠ - و {إِذْ} في قوله: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} بدل من {يَوْمَ يَجْمَعُ}، وهو


(١) البحر المحيط.