للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والبياض. وقيل: اختلافهما نقصان أحدهما وزيادة الآخر. وقيل: تكررهما يومًا بعد يوم وليلة بعد ليلة؛ أي: وهو الذي سخر الليل والنهار، وجعلهما متعاقبين، يطلب كل منهما الآخر طلبًا حثيثًا، لا يملان ولا يفترقان، كما قال: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَار} ثم أنب سبحانه من ترك النظر في كل هذا، فقال: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} الهمزة فيه للاستفهام التوبيخي، داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف؛ أي: أتغفلون (١) عن تلك الآيات، فلا تعقلون بالنظر والتأمل، أن الكل منا، وأن قدرتنا تعم الممكنات، وأن البعث من جملتها؛ أي: أفلا تتفكرون في هذه الموجودات، لتعلموا أن هذه صنع الإله العلم، القادر على كل شيء، وأن كل شيء خاضع له تحت قبضته، دال على وجوده. وقرأ أبو عمرو في رواية {يعقلون} بيا الغيبة على الالتفات.

٨١ - ثم بين سبحانه أنه لا شبهة لهم في إنكار البعث، إلا التشبث بحبل التقليد المبني على مجرد إلاستبعاد، فقال: {بَلْ قَالُوا} عطف على مقدر يقتضيه المقام؛ أي: لم يعقلوا تلك الآيات، بل قالوا؛ أي: كفار مكة {مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ}؛ أي: كما قال من قبلهم من الكفار من قوم نوح، وهود وصالح وغيرهم في إنكار البعث مع وضوح الدلائل.

أي (٢): ما اعتبر هؤلاء المشركون بآيات الله، ولا تدبروا حججه الدالة على قدرته على فعل كل ما يريد، كإعادة الأجسام بالبعث، وحياتها حياة أخرى للحساب والجزاء، بل قالوا مثل مقالة أسلافهم من الأمم المكذبة لرسلها من قبلهم، تقليدًا لهم دون برهان ولا دليل.

٨٢ - ثم بيّن ما قال الأولون فقال: {قَالُوا}؛ أي (٣): قال الأولون {أَإِذَا مِتْنَا}؛ أي: أنبعث إذا متنا {وَكُنَّا}؛ أي: صرنا {تُرَابًا وَعِظَامًا} قد بليت أجسامنا، وجردت عظامنا من لحومنا .. {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} من قبورنا أحياء كهيأتنا قبل


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكانى.