للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي (١): وأنا أستدل على ما أقول بالحجة، كما تصحَّح الدعوى بالشهادة، وأبرهن عليه، كما تبين القضايا بالبينات، فلست مثلكم أقول ما لا أقدر على إثباته، فإنكم لم تقدروا على الاحتجاج على مذهبكم، ولم تزيدوا على أن تقولوا: إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون.

وقصارى ما أقول (٢): لست من اللاعبين الهازلين، بل من العالمين بذلك بالبراهين القاطعة والحجج الساطعة، كالشاهد الذي يكون قوله الفصل في إثبات الدعوى وإحقاق الحق.

٥٧ - وبعد أن أقام البرهان على إثبات الحق، أتبعه بالتهديد لهدم الباطل، ومحو آثاره، وأنه سينقل من المحاجة القولية إلى تغيير المنكر، ثقة بالله ومحاماة عن دينه، جمعا بين القول والفعل، فقال: {وَتَاللَّهِ} القوي العظيم، وقرأ الجمهور: {وَتَاللَّهِ} بالتاء الفوقية. وقرأ معاذ بن جبل وأحمد بن حنبل {بِاللَّهِ} بالباء الموحدة {لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ}؛ أي: لأمكرن وأجتهدن في كسر أصنامكم، وإلحاق الأذى بها، قال مجاهد وقتادة: قال إبراهيم - عليه السلام - هذه المقالة سرًّا من قومه، ولم يسمع ذلك إلَّا رجل واحد منهم، فأفشاه عليه، وقال: إنا سمعنا فتى يذكرهم، يقال له إبراهيم. وفي التعبير بالكيد إيدان بصعوبة الوصول إلى كسرها، وتوقفه على استعمال الحيل، لا سيما زمن نمرود، على عتوّه واستكباره وقوة سلطانه، وتهالكه على نصرة دينه.

فإن قيل (٣): لِمَ قال: {لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} والكيد: هو الاحتيال على الغير في ضرر لا يشعر به، والأصنام جمادات لا تتضرر بالكسر ونحوه، وأيضًا ليست هي، مما يحتال في إيقاع الكسر عليها؛ لأن الاحتيال إنما يكون في حق من له شعور؟

أجيب: بأن ذلك من قبيل التوسع في الكلام، فإن القوم كانوا يزعمون أن الأصنام لهن شعور، ويجوز عليهن الضرر، فقال ذلك بناء على زعمهم. وقيل:


(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٤) روح البيان.