للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المراد: لأكيدنكم في أصنامكم؛ لأنه بذلك الفعل، قد أنزل بهم الغم.

والأصنام: جمع صنم، وهي جثة متخذة من فضة، أو نحاس أو خشب مثلًا كانوا يعبدونها، متقربين بها إلى الله تعالى، كما في "المفردات".

{بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا} وترجعوا (١) من عبادتها. مضارع ولّى مشدداً {مُدْبِرِينَ} وذاهبين إلى عيدكم، وهو حال مؤكدة؛ لأن التولية والإدبار بمعنى، والإدبار نقيض الإقبال وهو الذهاب إلى خلف؛ أي بعد أن ترجعوا عن عبادتها حالة كونكم ذاهبين ومنطلقين إلى عيدكم. وقرأ الجمهور: {تُولوا} بضم التاء، مضارع ولّى الرباعي وقرأ عيسى بن عمر {تولّوا} بفتح التاء فحذف إحدى التاءين وهي الثانية على مذهب البصريين، والأولى على مذهب هشام، وهو مضارع تولى الخماسي، وهو موافق لقوله تعالى: {فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠)} ذكره في "البحر".

وقال السدي: كان (٢) لهم في كل سنة مجمع عيد، وكانوا إذا رجعوا من عيدهم، دخلوا على الأصنام فسجدوا لها، ثم عادوا إلى منازلهم، فلما كان ذلك العيد، قال آزر: يا إبراهيم لو خرجت معنا إلى عيدنا، أعجبك ديننا فخرج معهم، ولما كان ببعض الطريق ألقى بنفسه، وقال: إني سقيم، أشتكي برجلي. فلمّا مضوا، نادى في آخرهم، وقد بقي فيهم ضعفاء الناس: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} فسمعوها منه، ثم رجع إبراهيم إلى بيت الآلهة، وهي في بهو عظيم، وكان مستقبل هذا البهو، صنم عظيم، إلى جنبه أصغر منه، والأصنام بعضها إلى جنب بعض، يليه أصغر منه إلى باب البهو - والبهو: البيت الذي يقيمونه أمام البيوت، ويجتمون فيه للندوة - وإذا هم قد جعلوا طعامًا، فوضعوه بين يدي الآلهة، وقالوا: إذا رجعنا، وباركت الآلهة عليه أكلنا منه، فلما نظر إبراهيم إليهم وإلى ما بين أيديهم من الطعام، قال لهم، مستهزئًا: ألا تأكلون؟ فلما لم يجيبوه قال لهم: ما لكم لا تنطقون، وراغ عليهم ضربًا باليمين، وجعل يكسرهن بفأس في يده، حتى إذا لم يبق إلّا الصنم الأكبر، علّق الفأس في عنقه، ثم خرج فذلك


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.