حسية، وهذه ظلمات معنوية. فالقسم هنا جاء جامعًا بين الهدايتين: الحسية للنجوم، والمعنوية للقرآن. فهذا وجه المناسبة.
٧٦ - ثم أخبر سبحانه عن تعظيم هذا القسم، وتفخيمه. فقال:{وَإِنَّهُ}؛ أي: وإن هذا القسم المذكور {لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} لما في المقسم به من الدلالة على عظم القدرة، وكمال الحكمة، وفرط الرحمة. ومن مقتضيات رحمته أن لا يترك عباده سدى بغير كتاب. وجملة {إِنَّ} معترضة بين المقسم به، والمقسم عليه. وجملة {لَوْ تَعْلَمُونَ} معترضة بن الصفة والموصوف لتأكيد تعظيم المحلوف به. فهو اعتراض في اعتراض، وجواب {لو} متروك، أريد به نفي علمهم أو محذوف ثقة بظهوره؛ أي: لعظمتموه أو لعلمتم بموجبه، ففيه تنبيه على تقصير المخاطبين في الأمر، قال الفرّاء، والزجاج: وهذا يدل على أن المراد بمواقع النجوم: نزول القرآن. والضمير في {إِنَّهُ} يعود على القسم الذي يدل عليه {أُقْسِمُ}، والمعنى: أن القسم بمواقع النجوم لقسم عظيم لو تعلمون.
٧٧ - ثم ذكر سبحانه المقسم عيه، فقال:{إِنَّهُ}؛ أي: إن هذا الكتاب المنزل عليك يا محمد {لَقُرْآنٌ}؛ أي: لكتاب {كَرِيمٌ} كرمه الله سبحانه، وأعزه، ورفع قدره على جميع الكتب، وكرمه عن أن يكون سحرًا أو كهانة أو كذبًا، وقيل: إنه كريم لدلالته على مكارم الأخلاق، ومعالي الأمور، وشرائف الأفعال. وقيل: لأنّه يكرم حافظه، ويعظم قارئه. وقيل: لأنه كتاب كثير الخير والنفع لاشتماله على أصول العلوم المهمة في صلاح المعاش والمعاد على أن يستعار الكرم ممن يقوم به الكرم من ذوي العقول إلى غيرهم. قال الأزهريّ: الكريم اسم جامع لما يحمد. والقرآن كريم يحمد لما فيه من الهدى، والبيان، والعلم، والحكمة.
٧٨ - {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨)}؛ أي: مصون من غير المقربين من الملائكة، أي: لا يطلع عليه من سواهم، وهو اللوح المحفوظ. وقيل: محفوظ عن الباطل، وقال عكرمة: هو التوراة والإنجيل فيهما ذكر القرآن، ومن ينزل عليه. وقال السدي: هو الزبور، وقال مجاهد, وقتادة: هو المصحف الذي في أيدينا.
فإن قلت: القرآن صفة قديمة قائمة بذات الله تعالى، فكيف يكون حالًّا في كتاب مكنون؛ أي: لوح محفوظ أو مصحف؟