للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والحرص على جمع الدنيا والاشتغال بها عن الآخرة.

وبعد أن هدد من كذب الرسول بقوله: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ} ذكر سر تأخر عذابهم إلى يوم القيامة، وعدم التعجيل به، كما فعل بكثير من الأمم السالفة

٤ - فقال: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ}، أي: وما أهلكنا قرية من القرى، بنوع من أنواع العذاب، بالخسف بها وبأهلها، كما فعل ببعضها، أو بإخلائها من أهلها بعد إهلاكهم، كما فعل بأخرى {إِلَّا وَلَهَا} في ذلك الشأن؛ أي: لتلك القرية {كِتَابٌ}؛ أي: أجل مقدر مكتوب في اللوح المحفوظ، واجب المراعاة بحيث لا يمكن تبديله؛ لوقوعه حسب الحكمة المقتضية له {مَعْلُومٌ} لا ينسى ولا يغفل، حتى يتصور التخلف عنه بالتقدم والتأخر.

وخلاصة ذلك (١): أننا لو شئنا لعجلنا لهم العذاب، فصاروا كأمس الدابر، ولكن لكل أجلٍ كتاب، وشأننا الإمهال لا الإهمال، فـ {كِتَابٌ} (٢): مبتدأ، خبره الظرف، والجملة حال من قرية، لأنها وإن كانت نكرة قد صارت بما فيها من العموم في حكم الموصوفة، لا سيما بعد تأكده بكلمة {مِنْ}.

والمعنى: وما أهلكنا قرية من القرى في حال من الأحوال إلا حال أن يكون لها كتابٌ؛ أي: أجلٌ مؤقتٌ لهلاكها، قد كتبناه، لا نهلكها قبل بلوغه، معلوم لا نغفل عنه، حتى تمكن مخالفته بالتقدم والتأخر، و {الواو} للفرق بين كون هذه الجملة حالًا أو صفة؛ لأنها تعينها للحالية، أو صفة للقرية المقدرة، التي هي بدل من المذكورة على المختار، فيكون بمنزلة كونه صفة للمذكورة؛ أي: وما أهلكنا قرية من القرى إلا قرية لها كتاب معلوم، وتوسيط الواو حينئذٍ بين الصفة والموصوف - وإن كان القياس عدمها - للإيذان بكمال الالتصاق بينهما، من حيث إن الواو شأنها الجمع والربط.

٥ - وبعد أن بين (٣) سبحانه أن الأمم المهلكة كان لكل منهم وقت معين


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.