للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: أي (١) دعهم أيها الرسول في غفلاتهم، يأكلون كما تأكل الأنعام، ويتمتعون بلذات الدنيا وشهواتها، وتلهيهم الآمال عن الآجال، فيقول الرجل منهم: غدًا سأنال ثروة عظيمة، وأحظى بما أشتهي، ويعلو ذكري، ويكثر ولدي، وأبني القصور، وأكثر الدور، وأغرس البساتين، وأقهر الأعداء، وأفاخر الأنداد، إلى نحو ذلك مما يغرق فيه من بحار الأماني والآمال وطلب المحال.

ثم علل الأمر بتركهم بقوله: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} سوء صنيعهم إذا هم عاينوا سوء جزائهم، ووخامة عاقبتهم، وفي هذا وعيد بعد تهديد، وإلزام لهم بالحجة، ومبالغة في الإنذار، وإيماء إلى أن التلذذ والتنعم وعدم الاستعداد للآخرة والتأهب لها ليس من أخلاق المؤمنين.

والخلاصة (٢): اتركهم على ما هم عليه من الاشتغال بالأكل، ونحوه من متاع الدنيا، ومن إلهاء الأمل لهم عن اتباعك، فسوف يعلمون عاقبة أمرهم، وسوء صنيعهم، وما زالوا في الآمال الفارغة والتمنيات الباطلة حتى أسفر الصبح لذي عينين، وانكشف الأمر، ورأوا العذاب يوم القيامة، فعند ذلك يذوقون وبال ما صنعوا، والأفعال الثلاثة مجزومة على أنها جواب الأمر كما مرَّ.

أخرج أحمد والطبراني والبيهقي: عن عمرو بن شعيب مرفوعًا قال: "صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ولهلك آخرها بالبخل والأمل"، وروي عن الحسن أنه قال: ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل. وروي عن علي أنه قال: إنما أخشى عليكم اثنتين: طول الأمل واتباع الهوى، فإن طول الأمل ينسي الآخرة، واتباع الهوى يصد عن الحق.

قال بعضهم: الأمل (٣) إرادة الحياة للوقت للتراخي بالحكم والجزم، أعني: بلا استثناء ولا شرط صلاح، وهو مذموم في الشرع جدًّا، وغوائله أربع: الكسل في الطاعة وتأخيرها، وتسويف التوبة وتركها، وقسوة القلب بعدم ذكر الموت،


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.