للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذا (١) اعتراض مقرر لمضمون ما قبله؛ إما من جهته تعالى كما مر، وإما من تمام كلام الظالم، قال بعضهم: المراد بالشيطان: قرين السوء، سماه شيطانًا؛ لأنه الضال المضل، يضل كما يضل الشيطان الحقيقي. وهذه الآية عامة في كل متحابين اجتمعا على معصية الله، والخلة الحقيقية هي أن لا تكون لطمع ولا لخوف، بل في الدين. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يحشر المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالّ" أخرجه أبو داود والترمذي. وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلّا تقي". وروى الشيخان عن أبي موسى الأشعري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة". قال مالك بن دينار: إنك إن تنقل الحجارة مع الأبرار خير من أن تأكل الخبيص مع الفجار، نسأل الله الخلاص والالتحاق بأرباب الاختصاص، والعمل بالقرآن في كل زمان وعلى كل حال.

٣٠ - {وَقَالَ الرَّسُولُ} محمد - صلى الله عليه وسلم - شكاية لله مما صنع قومه، وفي هذا (٢) تخويف لقومه؛ لأن الأنبياء إذا شكوا إلى الله تعالى قومهم عجل الله لهم العذاب. وهذا عطف على قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} وما بينهما اعتراض؛ أي: قالوا: كيت وكيت، وقال الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - إثر ما شاهد منهم غاية العتوّ، ونهاية الطغيان بطريق البث والشكوى {يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي} قريشًا {اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}؛ أي: متروكًا بالكلية، ولم يؤمنوا به، وصدّوا عنه، ولم يتأثروا بتخويفه ووعيده. والمعنى (٣): إن قومي اتخذوا هذا القرآن الذي جئت به إليهم، وأمرتني بإبلاغه، وأرسلتني به مهجورًا متروكًا لم يؤمنوا به، ولا قبلوه بوجه من الوجوه. وقيل: هو من هجر إذا هذى، والمعنى: إنهم اتخذوه هجرا وهذيانا. وقيل:


(١) روح البيان.
(٢) المراح.
(٣) الشوكاني.