للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يباعده كما أن المحتاج إليه يقربه، فصح أن يعبر بإغناء شيء عن شيء عن إبعاده عنه، فكأن المعنى أن هذا الظل لا يظلكم من حرّ الشمس، ولا يدفع عنكم لهب النار. واللهب: ما يعلو على النار إذا اضطرصت من أحمر وأصفر وأخضر.

٣٢ - ثم وصف النار التي تحدث هذا الظل من الدخان، فقالى: {إِنَّهَا} أي: إنّ هذه النار، فالضمير للنار، وقيل: إنه عائد على الشعب؛ لأنها هي المذكورة لا النار. {تَرْمِي بِشَرَرٍ} كثيرة، كل واحدة منها {كَالْقَصْرِ}؛ أي: كقصر من القصور في عظمها، كما يدل على هذا التفسير قوله: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (٣٣) أي: إن هذه النار يتطاير منها شرر متفرقة في جهات كثيرة كأن كل واحدة منها القصر عظمًا وارتفاعًا. والشرر: جمع شررة، وهي ما تطاير من النار في الجهات متفرّقًا كالنجوم، كما قال في "القاموس": الشرار والشرر ككتاب وجبل ما يتطاير من النار، واحدتهما بهاء انتهى. وقوله: {كَالْقَصْرِ} في موضع الصفة للشرر، والقصر هو البناء العالي، ووصف به الجمع باعتبار كل واحد من آحاده، والقصر أيضًا: الحطب الجزل، ولذا قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية: هي الخشب العظام المقطعة، وكنا نعمد إلى الخشب فنقطعها ثلاثة أذرع، وفوق ذلك، ودونه ندخرها للشتاء، فكنا نسميها القصر؛ أي: لكونها مقصورة مقطوعة من الممدودة الويلة، تأمل في أن نارًا دخانها وشررها هكذا، فما بالك بحالى أهلها؟ وعلى هذا المعنى الأخير القصر جمع قصرة ساكنة الصاد مثل: جمر وجمرة وتمر وتمرة، وهي الواحدة من جزل الحطب الغليظ.

وقرأ الجمهور (١): {بِشَرَر} وقرأ عيسى {بشَرَار} بألف بين الرائين. وقرأ ابن عباس وابن مقسم كذلك، إلا أنه كسر الشين، فاحتمل أن يكون جمع شرر؛ أي: بشرار من العذاب. وأن يكون صفة أقيمت مقام موصوفها؛ أي؛ بشرار من الناس كما تقول: قوم شرار جمع شر غير أفعل التفضيل، قوم خيار جمع خير غير أفعل التفضيل، ويؤنث هذا فيقال للمؤنث: شرة وخيرة، بخلافهما إذا كانا للتفضيل، فلهما أحكام مذكورة في النحو. وقرأ الجمهور؛ {كَالْقَصْرِ} بإسكان الصاد وهو واحد القصور. وقرأ ابن عباس، وابن جبير، ومجاهد، والحسن، وابن مقسم،


(١) البحر المحيط.