للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأقواله، وفيما شرع لهم من الدين الحق الذي يسعد من اعتنقه في حياتيه الأولى والآخرة.

قال بعضهم (١): والتقرب باسم العزيز في التمسك بمعناه، وذلك يرفع الهمة عن الخلائق، فإن العز فيه، ومن ذكره أربعين يومًا في كل يوم أربعين مرة .. أعانه الله تعالى وأعزه، ولم يحوجه إلى أحد من خلقه، قال السهروردي: من قرأه سبعة أيام متواليات، كل يوم ألفًا .. أهلك خصمه، وإن ذكره في وجه العسكر سبعين مرة، ويشير إليهم بيده، فإنهم ينهزمون، والتقرب باسم الحكيم أن تراعى حكمته في الأمور كلها، فتجري عليها مقدمًا ما جاء شرعًا، ثم عادة سلمت من معارض شرعي، وخاصية هذا الاسم دفع الدواهي، وفتح باب الحكمة، فمن أكثر ذكره صرف عنه ما يخشاه من الدواهي، وفتح له باب من الحكمة، والحكمة في حقنا إصابة الحق في القول والعمل، وفي حق الله تعالى: معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام، قال بعضهم: الحكمة تقال بالاشتراك على معنيين: الأول: كون الحكيم بحيث يعلم الأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر، والثاني: كونه بحيث تصدر منه الأفعال المحكمة الجامعة.

٢٨ - {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ}؛ أي: وما بعثناك يا محمد إلى قومك خاصة، بل ما أرسلناك {إِلَّا} بعثة، وإرسالة {كَافَّةً}؛ أي: عامة شاملة {لِلنَّاسِ} محيطة (٢) بأحمرهم وأسودهم، وعربهم وعجمهم، من الكف بمعنى المنع؛ لأنها إذا عمتهم وشملتهم .. فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم، فانتصاب {كَافَّةً} على أنها صفة لمصدر محذوف، والتاء للتأنيث، والجار متعلق بها، ويجوز أن تكون حالًا من الكاف، والتاء للمبالغة كتاء علامة؛ أي: ما أرسلناك في حال من الأحوال إلا حال كونك جامعًا لهم في الإبلاغ؛ لأن الكف يلزم الجمع، قال الراغب: وما أرسلناك إلا كافًا لهم عن المعاصي، والتاء فيه للمبالغة، انتهى. ولا يجوز أن يكون حالًا من {النَّاسِ}، لامتناع تقدم الحال على صاحبها المجرور عند الجمهور، كامتناع تقدم المجرور على الجار، وذهب أبو علي وابن كيسان وابن برهان وابن ملكون إلى جوازه، ومنه قول الشاعر:


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.