إثم عليه؛ لأن الإلقاء بنفسه إلى التهلكة بالموت جوعًا أشد ضررًا من أكل الميتة أو الدم، بل الضرر في ترك الأكل محقق، وهو في فعله مظنون، كما أن من أكل مما أهل به لغير الله مضطرًا لم يقصد إجازةَ عمل الوثنية ولا استحسانه.
وإنما ذكر قوله:{غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ}؛ لئلا يتبع الناس أهواءهم في تفسير الاضطرار إذا وكل إليهم تحديده، فيزعم هذا أنه مضطر وليس بمضطر، ويذهب ذلك بشهواته إلى ما وراء الضرورة. {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}؛ أي: إن الله يغفر لعباده خطأهم في تقدير الضرورة إذ وكل ذلك إلى اجتهادهم، رحيم بهم إذ رخص لهم في تناولها، ولم يوقعم في الحرج والعسر، وجعل الضرورة تقدر بقدرها. انتهت.
وظاهر قوله (١): {فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} نفى كل فرد فرد من الإثم عنه إذا أكل، لا وجوب الأكل. وقال الطبري: ليس الأكل عند الضرورة رخصة، بل ذلك عزيمة واجبة، ولو امتنع من الأكل كان عاصيًا.
وقال مسروق: بلغني أنه من اضطر إلى الميتة، فلم يأكل حتى مات .. دخل النار، كأنه أشار إلى أنه قاتل نفسه بتركه ما أباح الله له.
١٧٤ - {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ} لما بين سبحانه وتعالى فيما سلف إباحة أكل الطيبات على خلاف ما عليه أهل الملل الأخرى وأوجب عليهم شكر ربهم على نعمه التي أسداها إليهم .. ذكر في هذه الآيات أن بعض الرؤساء الذين حرموا على الناس ما لم يحرمه الله وشرعوا لهم ما لم يشرعه، قد كتموا ما شرعه الله بالتأويل أو بالترك، فاليهود والنصارى ومن حذا حذوهم كتموا أوصاف النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأوجبوا التقشف في المآكل والمشارب ونحو ذلك مما لهم فيه منفعة، كما قال في آية أخرى:{تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا} فقال: إن الذين يخفون ما أنزل الله على رسله من الكتاب المشتمل على الأحكام من المحللات والمحرمات، وعلى نعت محمد - صلى الله عليه وسلم -، أو يؤولونه ويحرفونه ويضعونه في غير