أقام الحجة على حَقِّيَةِ دعوة الإِسلام، وعلى أنَّ القرآنَ من عند الله، وليس بالمفترَى من عند محمَّد - صلى الله عليه وسلم - كما يدعيه المشركون .. أَرْدف ذَلِك ببيَانِ أنَّ البَاعِثَ لهم على المعارضة، والتكذيب، ليس إلا شهواتُهم، وحظوظُهم الدنيوية، والإِسلام يدعو إلى إيثار الآخرة على الأولى.
قوله تعالى:{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ...} الآية، مناسبة هذه الآية لِمَا قبلَها: أنَّ اللَّهَ سبحانَه وتعالى لما ذكر (١) مآلَ مَنْ كانَ يريد الدنيا وزينتها, ولا يهتم بالآخرَةِ وأعمالِها .. أردَفَ ذلِكَ بذكر مَنْ كَانَ يريد الآخرةَ، ويعمل لها، وكان على بينة من ربه في كلِّ ما يعملُ، ومعه شاهِدٌ يدل على صدقه، وهو القرآن، ومآل من أنكر صِحَّتَه، وكفرَ بِه.
وعبارة أبي حيان: مناسبةُ هذه الآية لما قبلَها: أنه تعالى لما ذكر حال مَن يريد الحياةَ الدنيا .. ذَكَرَ حَالَ من يريد وجهَ الله تعالى بأعماله الصالحة.
التفسير وأوجه القراءة
٦ - {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ}، أي: وما دابة، من أي نوع من أنواع الدوابِّ في الأرض {إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} وغذاؤها الذي تحتاج إليه اللائق بها على اختلاف أنواعها، تفضلًا منه، وإحسانًا، وإنما جيء به على طريق الوجوب، كما تشعر به كلمة:{عَلَى} اعتبارًا بِسَبْقِ الوعد به منه، وتحقيقًا لوصوله، وحملًا على التوكل فيه، وقيل:{عَلَى} بمعنى: من؛ أي: من الله رزقُها, لا فرق (٢) في ذلك بَيْنَ الجِنَة - المكروبات - التي لا ترى بالأبصار، وبين ضِخَامِ الأجسام، والوسطى بَيْنَ هذه وتلكَ، وقد أعطى كلًّا خلقَهُ المناسبَ لمعيشته إلى تحصيل غِذَائِهِ بالغريزة، والفطرة، ولله تَعالى حِكَمٌ في خلق كل نوع منها، فإنْ خفيَ علينَا أمرُ خلق الحيات والسنانير ونحوها فلَنَا أن نَقولَ مثلًا: إنه لولاها لَضَاقَت الأَرض بكثرةِ أحيائها أو لأنتنت من كثرة أمواتها.