للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومعنى كفالته تعالى لرِزْقِها أنه سخَّره لها، وهدَاها إلى طلبه، وتحصيله كما قال: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} وقد عُلِمَ بنصوص القرآن، وسُنَنِ الله في الخلقَ وأسبابِ الرزق، أنَّ مشيئته تعالى لا تكون إلا بمقتضَى سُنَنِهِ في ارتباط الأسباب بالمسببات مع الحكمةِ في ذلك، إلَّا أنه يأتيها بمحض قدرتهِ، سواء طلبته أمْ لا.

و {مِن} زائدة للتأكيد، والدابَّةُ كُلَّ حيوان يَدِبُّ في الأرض.

رُوي (١) أن موسى عليه السلام تَعَلَّق قلبُه بأحوال أهله، فأمرَه الله تعالى أن يضرب بعصاه علَى صخرة، فانشقَّتْ وخرَجَت صخرةٌ ثمَّ ضَرَبَ بعصاه عليها، فانشقت وخرجَت صخرةٌ ثانية، ثُمَّ ضَرَبَ بعصاه عليهَا فانْشَقَّتْ وخرجت صخرةٌ ثالثةٌ ثُمَّ ضَرَبها بعصاه فانشقت فخَرَجَتْ منها دُودةٌ كالذَّرَّةِ، وفي فيها شيء يجري مجرى الغذاء لها, ورفع الله الحجابَ عن سمع موسى عليه السلام فسَمِعَ الدودةَ تقولُ: سبحان من يراني، ويسمع كلامي، ويعرف مكاني، وَيذْكرُني ولا ينساني.

{وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا}؛ أي: محلَّ استقرارها في الأرض، أو محل قرَارِها في الأصلاب {وَمُسْتَوْدَعَهَا} أي: موضِعَها في الأرحام، وما يَجْرِي مَجْرَاها كالبيضة ونحوها، وقال الفراء: {مُسْتَقَرَّهَا} حيث تأوي إليه ليلًا ونهارًا، {ومستودعها} موضِعَها الذي تموت فيه.

ووجه تقدُّمِ المستقر على المستودع على قول الفراء ظاهرٌ (٢)؛ وأما على القول الأول، فلعلَّ وجهَ ذلك أنَّ المستقرَّ أنْسَبُ باعتبار ما هي عليه حالَ كونها دابةً.

والمعنى (٣): وما من دابة في الأرض إلا يَرْزقُها اللهُ حيث كَانت من أَماكنها بعد كونها دابةً، وقبل كونها دابةً، وذلك حيثُ تكون في الرحم، ونحوه، ثم خَتَمَ الآية بقوله: {كُلٌّ}؛ أي: كُلٌّ من الدواب وأرزاقها، ومستقَرّها، ومستودعِها ثابتٌ


(١) المراح.
(٢) الشوكاني.
(٣) الشوكاني.