٧ - وقوله:{وَهُوَ}؛ أي: جبرئيل عليه السلام {بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} من الأرض؛ أي: بالمثسرق، حال من فاعل {اسْتَوَى}؛ أي: استوى جبريل، وظهر على صورته الأصلية، والحال أن جبريل بأفق الشمس؛ أي: أقصى الدنيا عد مطلع الشمس (١). والأفق: هي الدائرة التي تفصل بين ما يرى من الفلك وما لا يرى. والأفق الأعلى مطلع الشمس، كما أن الأفق الأدنى مغربها.
٨ - {ثُمَّ دَنَا} جبريل عليه السلام؛ أي: ثم بعدما استوى، وظهر على صورته الأصلية، ومد جناحه، وسد الأفق الأعلى عاد إلى الصورة التي كان يعتاد النزول عليها. وهو صورة دحية بن خليفة الكلبي أمير العرب. {ثُمَّ دَنَا} أي: أراد الدنو والقرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حال كونه في جبل حراء.
{فَتَدَلَّى} أي: استرسل، واستنزل جبريل من الأفق الأعلى مع تعلقه به. والدنو: القرب بالذات أو بالحكم. والتدلي: استرسال مع تعلق. وفي العبارة تقديم وتأخير؛ أي: تدلى ونزل جبريل في الأفق الأعلى، ثم دنا، وقرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهو في غار حراء.
٩ - {فَكَانَ} مقدار مسافة ما بين النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وبين جبريل عليه السلام {قَابَ قَوْسَيْنِ}؛ أي: مقدار قوسين عربيين في القرب؛ أي: مقدار قرب إحدى قوسين إلى الأخرى. وذكر القوس؛ لأن القرآن نزل بلغة العرب، والعرب تجعل مساحة الأشياء بالقوس. وأصل ذلك أن الحليفين من العرب كانا إذا أرادا عقد الصفاء، والحلف، والعهد خرجا بقوسيهما، فألصقا بينهما يريدان بذلك أنهما متظاهران، يحامي كل واحد منهما عن صاحبه. وفي "معالم التنزيل": معنى قوله: كان بين جبريل ومحمد عليهما السلام مقدار قوسين، إنه كان بينهما مقدار ما بين الوتر والقوس. كأنه غلب القوس على الوتر. وهذا إشارة إلى تأكيد القرب. وقيل: معنى {قَابَ قَوْسَيْنِ}: قدر ذراعين. ويسمي الذراع قوسًا؛ لأنه يقاس به المذروع؛ أي: يقدر. فلم يكن قريبًا قرب التصاق، ولا بعيدًا، بحيث لا يتأتى معه الإفادة والاستفادة. وهو الحد المعهود في مجالسة الأحباء المتأدبين.