للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القربى والجيران واليتامى والمساكين.

٤٠ - {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {لَا يَظْلِمُ} أحدًا {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}؛ أي: وزن نملة حمراء صغيرة، أي: لا يظلم قليلًا ولا كثيرًا، ونظم هذا الكلام مع الذي قبله: وماذا عليهم لو آمنوا وأنفقوا، فإن الله لا يظلم ولا يبخس ولا ينقص أحدًا من ثواب عمله مثقال ذرة، وقال ابن عباس: الذرة رأس نملة حمراء، وقيل: الذرة كل جزء من أجزاء الهباء، الذي يكون في الكوة إذا كان فيها ضوء الشمس لا وزن لها، وهذا مثلٌ ضربه الله تعالى لأقل الأشياء، فخرج الكلام على أصغر شيء يعرفه الناس، وفي ذكره إيماء إلى أنه وإن صغر قدره عظم جزاءه.

والخلاصة: أن الظلم لا يقع من الله تعالى؛ لأنه من النقص الذي يتنزه عنه، وهو ذو الكمال المطلق والفضل العظيم، وقد شرع لهم من أحكام الدين وآدابه ما لا تستقل عقولهم بالوصول إلى مثله في هدايتهم وحفظ مصالحهم، وهي تسوق إلى الخير وتصرف عن الشر، وأيدها بالوعد والوعيد، فمن وقع بعد ذلك فيما يضره ويؤذيه .. كان هو الظالم لنفسه؛ لأن الله تعالى لا يظلم أحدًا.

{وَإِنْ تَكُ}؛ أي: وإن يكن مثقال الذرة {حَسَنَةً} وأنث (١) الضمير لتأنيث الخبر، أو لإضافة المثقال إلى مؤنث، وحذف النون من غير قياس تخفيفًا وتشبيهًا بحروف العلة، وقرأ نافع وابن كثير {حسنةٌ} بالرفع على أن كان تامة بمعنى وإن حصلت حسنة، والباقون بالنصب. والمعنى: وإن تكن زنة الذرة حسنة، {يُضَاعِفْهَا}؛ أي: يضاعف جزاء تلك الحسنة عشرة أمثالها، أو أضعافًا كثيرة إلى سبع مائة، كما جاء في آية أخرى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (١٦٠){مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}. وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب {يضعِّفْها} بالتشديد من غير ألف، فكلاهما بمعنى واحد.

وقيل هذا عند الحساب فمن بقي له من الحسنات مثقال ذرة .. ضاعفها الله


(١) البيضاوي.