للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالإخوان، وعذاب الفرقة عن القرناء، والأصحاب من أسوأ العذاب وأشد العقاب، قاله قتادة. فعلى هذا القول يمتاز بعضهم عن بعض. ودل التعبير (١) بالامتياز، على أنه حين يحشر الناس يختلط المؤمن والكافر، والمخلص والمنافق. ثم يمتاز أحد الفريقين عن الآخر، كقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤)}. وهو عطف قصة سوء حال هؤلاء وكيفية عقابهم على قصة حسن أولئك ووصف ثوابهم. وكان تغيير الأسلوب لتخييل كمال التباين بين الفريقين، وحاليهما. ويجوز أن يكون معطوفًا على مضمر، ينساق إليه حكاية حال أهل الجنة، كأنه قيل بعد بيان كونهم في شغل عظيم الشأن، وفوزهم بنعيم مقيم، يقصر عنه البيان، فليقروا بذلك عينا، وامتازوا عنهم اليوم أيها المجرمون إلى مصيركم، فكونوا في السعير، وفنون عذابها ولهبها بدل الجنة لهم، وألوان نعمها وطربها.

والمعنى (٢): فارقوا المؤمنين أيها المجرمون، وادخلوا مساكنكم من النار. فلم يبق لكم اجتماع بالمؤمنين أبدًا. ونحو الآية قوله: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ}، وقوله: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) وقوله: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (٢٣)}.

٦٠ - ولما أمروا بالامتياز، وشخصت منهم الأبصار، وكلحت الوجوه، وتنكست الرؤوس، قال سبحانه موبخًا لهم: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ}؛ أي: ألم أوصكم {يا بَنِي آدَمَ} بما نصبت من الأدلة، ومنحت من العقول، وبعثت من الرسل، وأنزلت من الكتب، بيانًا للطريق الموصل إلى النجاة بـ {أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ}؛ أي: بأن تتركوا طاعة الشيطان، فيما يوسوس به إليكم من معصيتي، ومخالفة أمري. وهذا من جملة (٣) ما يقال لهم يوم القيامة، بطريق التقريع والتوبيخ، والإلزام والتبكيت،


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.