للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال أهل التفسير (١): كانت العرب في الجاهلية إذا فرغوا من حجهم .. وقفوا بين المسجد بمنى وبين الجبل - وقيل: عند البيت - فيذكرون مفاخر آباءهم ومآثرهم وفضائلهم ومحاسنهم ومناقبهم، فيقول أحدهم: كان أبي كبير الجفنة رحب الفناء يقري الضيف، وكان كذا وكذا، يعدُّ مفاخره ومناقبه، ويتناشدون الأشعار في ذلك، ويتكلمون بالمنثور والمنظوم من الكلام الفصيح، وغرضهم الشهرة والسمعة والرفعة بذكر مناقب سلفهم وآبائهم، فلما مَنَّ الله عليهم بالإِسلام .. أمرهم أن يكون ذكرهم لله لا لآبائهم، وقال: اذكروني فأنا الذي فعلت ذلك بكم وبهم، وأحسنت إليكم وإليهم.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: فاذكروا الله كذكر الصبيان الصغار الآباء، وذلك أن الصبي أول ما يفصح الكلام يقول: أبه أمه، لا يعرف غير ذلك، فأمرهم أن يذكروه كذكر الصبيان الصغار الآباء.

{فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ} في الموقف وهم المشركون: {رَبَّنَا آتِنَا}؛ أي: أعطنا {فِي الدُّنْيَا} إبلًا وبقرًا وغنمًا، وعبيدًا أو إماء، ومالًا {وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}؛ أي: من حظ ولا نصيب في الجنة بِحَجِّه.

٢٠١ - {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ} في الموقف: {رَبَّنَا آتِنَا}؛ أي: أعطنا {فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً}؛ أي: علمًا وعبادة وعصمة من الذنوب، وشهادة وغنيمة وصحة وكفافًا، وتوفيقًا للخير {وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً}؛ أي: الجنة ونعيمها، وقيل: من آتاه الله الإِسلام والقرآن، وأهلًا ومالًا .. فقد أوتي في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة؛ يعني: في الدنيا عافية، وفي الآخرة عافية.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - "اللهم آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار". متفق عليه. {وَقِنَا}؛ أي: وادفع عنا {عَذَابَ النَّارِ} واحفظنا منها بالعفو والغفران.

٢٠٢ - {أُولَئِكَ} الداعون بالحسنتين {لَهُمْ نَصِيبٌ}؛ أي: حظ وافر في الجنة


(١) الخازن.