الله تعالى دعاءَهما، فبعث جبريل، فأراهما المناسك في يوم عرفة، فلمَّا بلغ عرفات قال: عرفت يا إبراهيم! قال إبراهيم: نعم، فَسمِّي ذلك الوقت عرفة، والموضع عرفات. وفي قراءة ابن مسعود {وأرهِم مناسكَهم} بإعادة الضمير إلى الذرية. وقرأ (١) ابن كثير، والسُّوسيُّ عن أبي عمرو، ويعقوب {أرْنَا} بإسكان الراء قياسًا على فخذ في فخذٍ، ولكن أبو عمرو يُشِمُّ الكسرة، وقد سمع الإسكان في هذا الحرف نصًّا عن العرب، قال الشاعر:
ولا اعتبار بإنكار من أنكرها؛ لأنّها قراءةٌ متواترةٌ، فإنكارها ليس بشيءٍ {وَتُبْ عَلَيْنَا} عمَّا فَرَط منا سَهْوًا من الصغائر، ومن ترك الأولى، ولعلهما قالا ذلك؛ هضمًا لأنفسهما، وإرشادًا لذريتهما؛ أي: سامح لنا تقصيرنا في طاعتك، وتجاوز عنَّا، فإنّ العبد وإن اجتهد في طاعة ربّه، فإنّه لا ينفكُّ عن التقصير من بعض الوجوه، إمّا على سبيل السهو، أو على سبيل ترك الأولى، والأفضل، فكان هذا الدعاء لأجل ذلك لا لذنبهما؛ لأنّهما معصومان، أو المعنى: وتب على ظلمة أولادنا حتى يرجعوا إلى طاعتك، فيكون ظاهر الكلام الدعاء لأنفسهما، والمراد به ذريتهما، فإنّهما لمَّا بنيا البيت أرادا أن يَسنَّا للناس، ويعرِّفاهم أنَّ ذلك البيت، وما يتبعه من المناسك، والمواقف، أمكنة التفصِّي من الذنوب، وطلب التوبة من علام الغيوب {إِنَّكَ} يا ربّنا {أَنْتَ التَّوَّابُ}؛ أي: كثير القبول لتوبة من تاب {الرَّحِيمُ}؛ أي: كثير الرحمة والإنعام على عباده. وأصل التوبة: الرجوع، وتوبة الله على العبد قبوله توبته، وأن يخلق الإنابة والرجوع في قلب المسيء، ويزيِّن جوارحه الظاهرة بالطاعات، بعد ما لوَّثها بالمعاصي والخطيئات، وتوّابٌ: من صيغة المبالغة، أُطلق عليه تعالى في صدور الفعل منه، وكثرة قبوله توبة المذنبين؛ لكثرة من يتوب إليه يا
١٢٩ - {رَبَّنَا}{و} يا مَالِكَ أمرِنا {ابعث} وأرسل {فِيهِمْ}؛ أي: في جماعة الأمة المسلمة من أولادنا، وهم