صَبَبٌ، والصَّبَابَةُ: إفراطَ الشوق، كأنه ينْصَب فيما يَهْوَى. وقرأه الجمهور:{أَصْبُ} من صبا إلى اللهو ويصبو صبًا، صبوًا، ويقال: صَبَا يَصْبا صِبًّا والصِّبا بالكسر اللهو واللعبُ.
وفي هذه الجملة الشرطية إيماء إلى أنه ما صَبَا إليهن، ولا أحبَّ أن يَعِيشَ معهن، بل سأَلَ ربه أن يُدِيمَ له ما عوَّده من كشف السوء عنه في قوله:{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ}.
٣٤ - {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ}؛ أي: فأجاب له ربُّه دعاءه، الذي تضمنه قوله:{وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ} الخ، فإنَّ فيه التجاءً إلى الله تعالى، جَرْيًا على سننِ الأنبياء والصالحينَ في قَصر نيل الخيرات، وطلبِ النجاة من الشرور، على جناب الله تعالى، كقول المستغيث: أدركني وإلا هلكتُ، فكأنه قال: اللهم اصرف عني كَيْدَهن. {فَصَرَفَ} الله سبحانه وتعالى {عَنْهُ}؛ أي: عن يوسف {كَيْدَهُنَّ}؛ أي: كيدَ تلك النسوةَ، ومكْرَهُن، وعَصَمُه من الجهل والسفه، باتباع أهوائهن حَسْبَ دعائِه، وثبَّتَهُ على العصمة والعفة حتى وطَّنَ نَفْسَه على مشقة السجن {إِنَّهُ} تعالى {هُوَ السَّمِيعُ} لدعاء مَنْ تَضرَّعَ إليه، وأخلص الدعاءَ له {الْعَلِيمُ} بصدق إيمانهم، وبما يُصْلِح أحوالهم. وفي هذا إرشاد إلى أنَّ ربه حَرَسه بعنايته في جميع أطواره، وشُؤُونه وربَّاه أكْمَلَ تربية، ما خَلاهُ ونَفْسَه في أهون أموره. وهذه الجملةُ تعليلٌ (١) لما قبلها من صرف كيد النسوة عنه؛ أي: إنَّه هو السميع لدعوات الداعينَ له، العلم بأحوال الملتجئينَ إليه.
٣٥ - {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ}؛ أي: ثم ظهر العزيز وامرأته ومَنْ يُهِمُّه أمْرهُمَا من أصحابه المتصدِّين للحل والعقد رأي، أي: ظَهَرَ لهم من الرأي ما لم يظهر لهم من قبلُ. وثُمَّ تدلُّ على تغيُّرِ رأيهم في حقه. {مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ}؛ أي: منْ بعد أنْ رأوا الآيات، والشواهدَ الدالة على بَراءة يوسفَ وصدقه كشهادة الصبي، وقَدِّ القميص من دُبر، وقطع النساء أيديَهن، وذهاب عقولهن عند رؤيته؛ أي: ظَهَرَ