للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قومك، الحزين من أجل إعراض أكثرهم عن إجابة دَعوتك، واتباع هديك {لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً}؛ أي: على دين واحد، بمقتضَى الغريزة والفطرة، لا اختيار لهم فيما يفعلون، فكانوا في حياتهم الاجتماعية، أشبَه بالنمل والنحل، وفي حياتهم الروحية أشبَه بالملائكة، مفطورينَ على طاعة الله، واعتقاد الحق، وعدم الميل إلى الزيغ والجور، لكنه تعالى خلَقهم كاسبِين، لا ملهمين، وعاملين بالاختيار لا مَجْبورين، ولا مضطرينَ وجعلهم متفاوتين في الاستعداد، وكسب العلم، وكانوا في أطْوَارِهم الأولى لا اختلافَ بينهم. ثم لما كثرت وتنوعت حَاجَاتهم، وكثرت مطالبهم، ظَهَرَ فيهم الاستعدادُ للاختلاف، ولكنه لم يشأْ ذلك، ولذلك قال: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} في ذات بينهم على أديان شتَّى أو لا يزالونَ مختلفينَ في الحق، أو دين الإِسلام.

فقد اختلف أهله فيه اختلافًا كثيرًا. فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، أو اثنين وسبعينَ فرقةً، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة". المراد بهذه الفرق، أهل البدع، والأهواء كالخوارج، والقدرية، والرافضةِ والمعتزلة، والمرادُ بالفرقة الواحدة: أهل السنة والجماعة، اهـ "خازن". أو لا يزالونَ مُخْتَلِفينَ في الرزق، فهذا غني، وهذا فقير، أو لا يزالون مختلفينَ في شؤونهم الدنيوية، والدينية بحسب استعدادهم الفطري،

١١٩ - {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} بالهداية إلى الدين الحق، فإنهم لم يختلفوا، أو إلا مَنْ رحم ربك من المختلفين في الحق، أو دين الإِسلام بهدايته إلى الصواب الذي هو حكم الله تعالى، وهو الحق الذي لا حقَّ غيره، أو إلا مَنْ رحم ربك بالقناعة. والأولى تفسير: {لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} بالمجتمعةِ على الحق، وحكم كتابه فيهم، وهو الذي عليه مدار جمع كلمة الأمة، ووحدتها، حتى يكون معنى الاستثناء في {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} واضحًا غير محتاج إلى تَكَلُّفٍ.

{وَلِذَلِكَ}؛ أي: ولمشيئته تعالى فيهم الاختلافَ والتفرقَ في علومهم، ومعارفهم، وآرائهم، وما يتبع ذلك من الإرادة والاختيار في الأعمال {خَلَقَهُمْ}؛ أي: خَلَقَ الناسَ كافَّةً، وبهذا كانوا خلفاء في الأرض، ومن ذلك اختلافهم في