فإن لم يفعل ذلك .. كان له شأنه: وكانت له حريته، ولكنه يمنع من مساكنة المسلمين في دار الإسلام وهو على هذا الحال.
{ذَلِكَ} المذكور من إجارة المستجير من المشركين، وإعطاء الأمان له إلى أن يسمع كلام الله {بـ} سبب {أنهم قوم لا يعلمون}؛ أي: لا يفقهون ولا يدرون ما الكتاب وما الإيمان, وما أعرضوا إلا عن جهل وعصبيةٍ واغترارٍ بالقوة وإصرارٍ على الجفوة، فإذا هم شعروا بضعفهم وصدق وعد الله بنصر المؤمنين عليهم، وطلبوا الأمان لهذا السبب أو لغرض آخر يترتب عليه إمكان تبليغهم الدعوة وإسماعهم كلام الله .. أجيبوا إلى ذلك؛ لأنَّ هذه الطريق المثلى لتعليمهم وهدايتهم، والرسول صلوات الله عليه إنما أرسل مبشرًا ونذيرًا.
وفي الآية إيماءٌ إلى أن التقليد في الدِّين غير كاف، وأنه لا بد عن النظر والاستدلال؛ لأنه لو كان كافيًا .. لوجب أن لا يمهل الكافر بل يقال له: إما أن تؤمن، وإما أن نقتلك؟ فأمهلناه ليحصل له النظر والاستدلال، فإن ظهر على المشرك علامات القبول للحق، ببحثه عن الدليل والتفكير فيه .. أمهل، وترك، وإن ظهر أنه معرض عن الحق .. لم يلتفت إليه ووجب تبليغه إلى مأمنه.
٧ - والاستفهام في قوله:{كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ} للتعجب المتضمن للإنكار والاستبعاد وفي الآية إضمار، والمعنى كيف يكون للمشركين عهدٌ عند الله وعند رسوله يَأْمَنُون به من عذابه؟ أي: لا يكون لهم عهد عند الله ولا عند رسوله، وهم يغدرون وينقضون العهد. وقيل (١) معنى الآية: محالٌ أن يثبت لهؤلاء عهدٌ، وهم أضدادٌ لكم مضمرون للغدر، فلا يطمعوا في ذلك ولا يحدِّثوا به أنفسهم، ثم استدرك على ذلك فقال:{إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}؛ أي: لكن الذين عاهدتم عند المسجد الحرام؛ أي: عند قرب أرض الحرم يوم الحديبية، ولم ينقضوا ولم ينكثوا، فلا تقاتلوهم {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ}؛ أي: فما داموا مستقيمين لكم على العهد الذي بينكم وبينهم